فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عن الجهاد والمقاومة.. نظرة فقهية تطبيقية

      لا شك أن الأيام التي تمر بها الأمة الإسلامية في عصرنا هذا هي مصداق قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن الفتنة العمياء، والتي أصبح نهارها كليلها، سواد حالك وظلام دامس، زيغ عن المحجة ومداهنة بالحجة، تعطيل للشرائع وتمويه بالشعائر، اضطراب في المنهج، وخلط في المقصد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      في ظلّ هذه الفتنة العمياء، أخذت جماعات من المسلمين في مواجهتها بطرق مختلفة متباينة، تعتمد أصالة على فكر قادتها واتجاهاتهم الأصيلة المرتبطة بفطرهم التي فطرهم الله عليها، فمنهم من رأى الاستكانة ومسايرة النظم الجائرة، وأصلّ الأصول ليدل بها على ما رآه صحيحاً، ومنهم من كان على الطرف الآخر من المنظومة، فرأي الخروج على النظم القائمة بالقوة، وتجنيد الشباب للقتال، قتال كلّ ما رآه قائماً في بلاد المسلمين من شرّ، وأصلّ الأصول ليدل بها على ما رآه صحيحاً، وبين هذين الطرفين، قامت جماعات عديدة تترواح كلها بين ما دعا إليه المستكينون، وما دعا إليه القتاليون، تأخذ كلّ منها بطرف أو بأطراف من أدلة هؤلاء وأولئك، وعوام المسلمين واقعون في حيرة من أمرهم، ضائعون بين نظم جاءت بالباطل، وأزهقت الحق، وبين جماعات تباين نهجها وتنازع أفرادها، فكان ضرّها أكثر من نفعها.

      ومن أهم المسائل التي تعْرِضُ للمسلم في أيامنا هذه هي ما يتعلق بالجهاد، وشرعيته في بلاد المسلمين، أو خارجها، وشرعية العمليات التي يسميها البعض "انتحارية" والبعض الآخر "جهادية"، ويقتل فيها من المسلمين من يقتل، فيراه البعض الأول قتلا للنفس بغير حق، ويراه البعض الآخر مفسدة صغرى مترتبة على جلب مصلحة ضرورية. وقد قدم كل من الطرفين أدلة قصرت عن إقامة الحجة كاملة على دعواه.

      وليس المقصود من هذا المقال أن يكون مناقشة فقهية كاملة تتناول كلا الوجهين من الأدلة وتصل إلى ما هو أصح وأصلح، بل المقصود هو مناقشة مسألة الجهاد والعمليات والجهادية في أرض العدو، في وقتنا هذا، وواقعنا هذا، وما يراه الكاتب أصحّ دليلاً، وأصلح طريقة، تقوم على الأسس التالية:

      1. فهم النصوص حسب ما بينته السنة المطهرة، وحسب ما فهمه الرعيل الأول من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وحسب ما تدلّ عليه مدلولات الألفاظ من ناحية، ومقررات المعاني من ناحية أخرى، بلا إخلالَ لأحدِهما بالآخر.
      2. ثم مقارنة ذلك بما قرره أئمة المسلمين من أهل السنة والجماعة فيما يماثل أو يقارب ما نحن فيه، مع مراعاة تغيّر المناطات، ومحلّ الاجتهادات.
      3. مراعاة ما تقرر في علم المقاصد الشرعية من قواعد عامة وخاصة، يتناسب فيها ما هو أصحّ مع ما هو أصلح، إذ إنهما واحد في مقصود الشارع.
      4. نهي النفس عن الهوى والغضّ عن المقررات المسبقة في العقل، وعن الميول الفردية المطبوعة في النفس ، والتجرد لله رغبة في الوصول إلى الحق.
      5. ثمّ سؤال الله سبحانه التوفيق والسداد.

      من هذا المنطلق، فإننا نقرر النقاط التالية:

      1. أن لفظ الجهاد إن جاء مفرداً في القرآن دون قرين، فإنه يعني كلّ ما ورد في معاني الجهاد، كما قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، وإن جاء مقروناً بغيره مقيداً بصفة أو مضافاً فإنه يأخذ وصف الصفة أو معنى الإضافة، وعلى هذا فإن في قول الله تعالى: "وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم" كان الجهاد هنا مقيدا مرة بالقتال، ومرة بالمال.

      2. أما في السنة، فإن لفظ الجهاد إن جاء مفرداً فلا يعنى إلا القتال، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجهادُ ماضٍ إلى يوم القيامة"، فإن كافة المسلمين،علماؤهم وعوامهم، قد فهموا من هذا أن القتال في سبيل الله ماضٍ، ولم يفهموا منه أنّ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ماضية، وأن كان هذا المعنى الأخير صحيح قد تقرر في مواضع أخرى وبنصوص أخرى، لكن الخلط بين مدلولات النصوص المفردة يضيّع المعنى ويبدل المراد من النصّ، ويقع تحت مدلول تحريف الكَلمَ عن مواضعه. ومن هنا فإن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عبد الله بن عمرو، حين جاءه الصحابيّ يسأله الجهاد قال: أحييٌ والداك، قال نعم، قال: ففيهما فجاهد" متفق عليه، فيه دلالة على أنّ الطلب الأصليّ للجهاد قد فهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طلب للقتال، ومن ثمّ تحول به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معنى مقيد للجهاد هو الجهاد في الوالدين لظرف إنّهما أحياء يحتاجونه. ولا يغرّنك ما يستشهد به البعض من الحديث الموضوع عن الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر، فهو لا أصل له كما ذكر بن تيمية في مجموع الفتاوى.

      3. إذا تقرر ذلك، قلنا إنَّ الجهاد، أو القتال بوجه عام، كما عرفه البشر قاطبة، ينقسم إلى نوعين، جهاد الدفع، وجهاد الطلب. والأول هو دفع الصائل أو المقاومة لحماية الدار والبيضة، وهذا النوع يتعين على أهل الدار التي يصول عليها المعتدى، من القادرين على القتال، وإن لم يقم بهم واجب ردّ العدوان، وجب على من هم من جيرتهم من المسلمين، الأقرب فالأقرب حتى يتم تحرير الأرض ودحر العدوان. ويدخل تحت هذا النوع من الجهاد حماية الثغور ضدّ الكافر المعتدى، لا ضدّ المسلم المسالم، وقد زعم بعض من يحرّف الكلم عن مواضعه أن حماية الثغور بإطلاق هو الجهاد المتعين دون تقييده بالكفار. والثاني، الذي هو جهاد الطلب، أي قتال الكفار لنشر كلمة الله وإعلاء الحق بإزاحة القوى المعارضة له على مستوى المجتمع (أي الكلّ بتعبير الشاطبيّ) ، ثم بعد ذلك "لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغيّ" على مستوى الفرد (أي بالجزء).

      4. الجهاد، ككلّ واجب شرعيّ متعيّن، له شروط يجب أن تتوفر، وموانع تمنع من وقوعه، فإن لم تتحقق الشروط أو إن تحققت الموانع، رُفع حكم الوجوب إلى ما يناسب ما تخلف من شرط أو تحقق من مانع، فيصير الجهاد مندوباً، أو مباحاً أو مكروهاً أو حراماً، بحسب الحال. أما عن جهاد الطلب، فليس الوقت بوقت الحديث عنه، إذ إن القاصي والداني، والعالم والجاهل، يعلم أن كلّ شروطه غير متحققة، وكلّ موانعه حاصلة، فليس هناك إمام يدعو له، ولا جيوش مسخرة له، إذ الجيوش مسخرة لحماية الحاكم وتثبيت عرشه، فالحديث عن هذا النوع من الجهاد عبث لا طائل تحته في وقتنا هذا. أما عن جهاد الدفع، أو دفع الصائل أو المقاومة، فيتحقق وجوبه شرعاً حين يتعرض جزء من البلاد الإسلامية إلى الغزو والاحتلال، هنالك يصبح الجهاد فرض عين على أهل المحلة المحتلة، وتفصيله كالآتي:

        واجب متعين على ولاة الأمور في محلّ الاحتلال، فالشرط الأول والأهم فيه هو القدرة عليه من قِبَـل الحاكم ، وعجز الحاكم عنه لا يُتصور إلا بأحد أمرين، أن يصل الغزو إلى الاحتلال، ويفقد الحاكم القدرة على إدارة المقاومة للمتعدى، أو أن يصبح الحاكم خائناً موالياً للمحتلّ، كما هو الحال في أفغانستان، والعراق، وفلسطين الضفة الغربية، فلا يكون هناك محلّ للحديث عن الجهاد، أو المقاومة إن شئت، في هذا المحل على مستوى الدولة، ويتعيّن حينها على ولاة الأمور ممن يتاخمون ذلك البلد:

        أ‌) العمل على إزالة ذلك الحاكم العميل، ليمكن أن تتحقق القدرة على جهاد المعتدى من قِبَـل أهل المحلّ على مستوى الجماعة.

        ب‌) دعم الجهاد والمقاومة بالمال والجند والعتاد والإعلام للمقاومة على مستوى الفرد، أو الجماعات الجهادية المحدودة لدرء العدوان.

        ت‌) فإن كان ولاة الأمور كلهم متخاذلين أو عملاء، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ويصبح جهاد الدفع على مستوى الدولة غير متحقق لمانع عدم وجود الإمام والجند.

        ث‌) أما على مستوى الفرد، أو بالأصحّ الجماعة التي هي مجموعة من الأفراد محدودي العدد ممن تعاهد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو إقامة غير ذلك من الأحكام الشرعية التي عُطّلت في بلاد المسلمين، فلا يتحقق الوجوب إلا إذا: تعذر الجهاد على مستوى الدولة لسبب أو لآخر، أو كان الفرد، أو الجماعة، قادراً على الجهاد، فرغم أن الجهاد فرض كفاية على أهل المحلة كلهم، متعين على أفرادها عيناً حتى يتم المطلوب من دحر العدوان، إلا إنه لا يجب إلا على القادر منهم على الجهاد.

        ج‌) أن لا يتسبب العمل الجهاديّ في مفسدة اضرّ من وجود المحتلّ، كأن يؤدى إلى محو البيضة أو خراب عموم الديار، وهذا محلّ إجتهاد النظار، فكما قرر العز بن عبد السلام، إن كان الحمل على العدو سيؤدى إلى قتل النفس دون تحقق نكاية أكيدة بالعدو، حرم الحمل عليه، إذ إن ذلك يكون تحقيقاً لمفسدة دون وجود مصلحة راجحة (الإحكام في قواعد الأحكام).

        ح‌) من هنا يأتي خطأ من أفتى بحلّ الأعمال الإنتحارية بشكل عام، والتي يقوم بها مسلم وهو على يقين من أنه سيقتل لا محالة، لسببين. ذلك أنه في كثير من الأحيان يُقتل دون نكاية أساساً ودون قتل أيّ من العدو، والثاني أنه في الغالب الأعم ما يُقتل المدنيّ المسلم في مثل هذه العمليات، وهو أمر لا يحلّ الإقدام عليه (قتل النفس المسلمة) إلا بإحدى الثلاث التي نصّ عليها الحديث، وهو ليس مما يجرى عليه مسألة التترس بحال إلا عند من أخذ الفقه عن نفسه، أومن هم أجهل منه. فرمي الترس مسألة لا تكون إلا إن تحقق للمسلمين أن دون ذلك خراب الديار وفناء البيضة، لا هدم فندق أو قتل شرطيّ! لذلك يجب أن تؤخذ هذه العمليات بحذر شديد كلّ بحسب الحال، والميل إلى تحريمها وتقييدها أوفق. كذلك لا تحلّ إلا إن بذل المهاجم إمكانه في حفظ حياته ولو بأقل قدر من المحاولة.

        خ‌) لا يجب أن يختلط هذا بما قد يقع من صدام بين المسلمين والكفار في ساحة القتال، فإن القتال والحمل على العدو واجب محتّم لا فرار منه لإحراز النصر، وهي الحالة التي وردت إلينا عمّا قامت به الصحابة في الغزوات المباركة، حين حمي الوطيس واحتدمت الحرب وتلاقت السيوف، وهي، كذلك، غير ما يراد في حالة العمليات الانتحارية بصورتها الحالية، فيجب على فقهاء المقاومة أن يحققوا مناط الفتاوى حتى لا نخالف الشرع ونحن نقصد إلى إتباعه.

      5. إنّ مسألة ضرب المصالح والمنشآت وقتل الأفراد على أرض العدو، والتي يدّعى الغرب الصليبيّ أن غزوه لأرض المسلمين ليس إلا لمنع مثل هذه الأعمال "الإرهابية" في مصطلحه، فإن الحديث عن هذه المسألة له، بإعتبار ما تقدم في مقدمات هذا المقال، جوانب عدّة:

        أ) أنه بشكل عامّ، فإن مهاجمة الخطوط الخلفية للعدو المقاتل أمر تتوافق عليه كلّ القوانين والدساتير، وتقوم به كلّ الدول التي حاربت في الماضي أو تحارب في الحاضر، سواء بحق أو بباطل.

        ب) أنه يجب تمييز مدى ما يعتبر من "الخطوط الخلفية"، هل يقف على خطوط الإمداد والتموين والإحتياطي المقاتل في الساحة، أم يمكن حمله على الأفراد المدنيين في بلاد العدو بعيداً عن ساحة القتال وعن حدود بلاد المسلمين الواقعة تحت الغزو؟ وما نرى من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يرسل مقاتلا إلى مكة لقتل نفس أو تخريب زرع، رغم أن حربه صلى الله عليه وسلم كانت تتراوح بين الدفع والطلب. بل كانت سنته صلى الله عليه وسلم أنْ يهاجم القوافل التي تتوجه إلى مكة، خارج حدودها، ولا يقتل من استسلم ممن يرعونها، إلا من كان قد أُهدر دمه قبلا. كذلك، فإن من سنته صلى الله عليه وسلم في القتال عامة، سواء في ساحة القتال أو في الخطوط الخلفية، عدم قتل النساء والولدان وأهل الأديرة، من غير المقاتلين منهم، وهذا ثابت بنصّ حديثه صلى الله عليه وسلم في الموطأ "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان" أي في الحرب.

        ج) ويجب هنا ملاحظة أنّ الله سبحانه قد شرط لإرهاب العدو إعداد أقصى القوة المستطاعة، لا أقلها وأضعفها، في قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"، ذلك تمشياً مع مراعاة دفع الضرر الغالب الذي يحصل غالبا من إرهاب العدو دون استحضار القوة المناسبة لذلك، حتى وإن تحققت مصلحة صغرى بجهاده بالقوة القليلة.

        د) ولا يصحّ أن يقال أنه طالما أنّ العدو يستبيح بيضتنا، فإنه يباح لنا أن نستبيح بيضته وأن نفعل فعله، فهذا ليس من دين الإسلام في شيء، وليسأل نفسه من يقرر هذا القرار، أنه إن كان العدو يستبيح اغتصاب الأسيرات المسلمات، فهل يباح ذلك للمسلم أن يغتصب أسيرات الكفار؟ اللهم لا.

        هـ) أما ما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من حرق نخيل بني النضير، فقد كان ذلك في ساحة القتال، بعد أن غدروا بالعهد، وهو بصدد قطع شأفتهم ومحو وجودهم من الجزيرة بالكلية، تمهيداّ لأمر عام بإخراج المشركين من أرض الجزيرة.

        و) ثم إن صحّ للمقاتل أنْ يتسرب خلف خطوط العدو، التي نتفق على أنها خطوط إمداده وتموينه، لقتل وتدمير ما يعدّ من عدة وعتاد وأنفس، فإن حمل القيام ذلك على المقيمين في بلاد العدو، ممن سُمح لهم بالإقامة لسبب أو لآخر، هو خطأ فاحش باهظ التكاليف! وذلك لأسباب:

        1) أولها أنّ من دخل أرض الكفار وسَكَن بها فإنما كان ذلك بعهد وميثاق أن لا يقتل أنفسهم ولا يُخرّب ديارهم، عهد يلتزم به إلا فيما يعارض شرع الله سبحانه كما في إعلان ولائه للملك ولاءاً مطلقاً فوق ولائه لله. أما عن الحرب فالاشتراك فيها أو كونه طرفاً فيها ليس من مسائل الولاء في ذاته، إذ تتخلف عن أن تكون من مسائل الولاء في كثير من الأحوال لموانع، كأن يكون عاجزاً أو ضعيفاً أو غير ذلك من موانع عدم الاشتراك في الجهاد.

        2) كذلك، إن صحّ أن يستبيح المقيم من ذوى العهد في بلاد الغرب أن يقتل المدنيين، فلا عليه في السرقة أو النهب من ممتلكاتهم، وحينئذ يتحول المسلمون إلى مجموعة من اللصوص لا اكثر ولا أقل.

        3) ومنها أن يتحلل من أي عهد يقوم مقام المانع، في حال إقامته في ديار الكفر، إن وجد في نفسه الرغبة في الاشتراك في الحرب، بأن يغادر هذه الأرض إلى محلّ القتال ثم يكون من هناك ما يكون حسب ما تقتضي المصلحة، وهو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابيّ الجليل نعيم بن مسعود كما جاء في بن اسحاق في خبر غزوة الخندق"إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفد بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد أسلمت ، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة"، فلم يأمره صلى الله عليه وسلم بقتل أو تخريب، بل بالتخذيل والتمويه.

      6. إن ما كان من قول ليس تخذيلاً للحركة الجهادية، ولا تقليلا من أهميتها، ولكنها ترشيدُ لحركتها وتقويمُ لاتجاهها حتى لا تصرف قوتها المحدودة في ما لا طائل تحته، بل فيما قد يكون مناقضاً للحكم الشرعيّ المقرر في هذه الظروف. وأمر النظر الشرعيّ ليس أمراً تقدر عليه العقول كلها، وإن كان منها من قرأ ودرس ونظر، فالاستدلال قرين الاجتهاد، والاستدلال يحتاج إلى عقل دَرُبَ على مسالكه ووعى شُعبه ودُرُبه، وكانت له من الفطرة والفطنة ما يهدي إلى صحيح القول والعمل.

      7. ثم نود، أخيراً أن نوجه عناية القارئ إلى كتب أربعة تعين على تثقيف العقل وصقل ملكة الاستدلال والنظر، وهي:

        أ) الموافقات للشاطبي.
        ب) الفروق للقرافي.
        ت) قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام
        ث) غياث الأمم في التياث الظلم للجوينيّ

        وهذه الكتب الأربعة، هي أمهات في هذا الحقل من العلوم الإسلامية، مع وجود غيرها كثير من الدراسات والكتب الحديثة، التي تساعد على حسن الإدراك وصحة النظر ككتاب مقاصد الشريعة الإسلامية لإبن عاشور، ونظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي للريسونيّ ،وغيرهما.

      والله من وراء القصد.

      نقلاً عن موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان