فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      محاولة لتفسير موقف الزعامات الإسلامية من أبو إسماعيل

      ألا يبدو لك الأمر « كابوس كوميدي » ، مثير للسخرية أكثر مما هو مثير للفزع أو للحيرة؟، أقصد ذلك الانسجام بين الزعامات الإسلامية وبين المجلس العسكري، ألا يمثل ذلك المجلس بالنسبة له عدوا تاريخيا ونقطة ارتكاز لنظام دام ستين عاما لم يكن يتقن خلالها إلا في وضع الإسلاميين دائما في خانة «مجنون القرية»؟ دعك مما مضى ولننظر فيما هو آت، ألا يحول هذه المجلس بين الإسلاميين وبين تحقيق حلمهم التليد بدولة يحكمها القرآن بعد أن صار ذلك الحلم في متناول أيديهم تقريبا؟

      وليت الأمر مقصورا على الانسجام والسكوت، إذا لكنا أمام مجرد «كابوس كوميدي »، لكننا نرقب الآن اتكاء ذلك المجلس العسكري _ وهو في أضعف حالاته المعنوية منذ ثورة يوليو _ على كتف الزعامات الإسلامية وينهض مرة أخرى ببطئ، و هاهي تلك الزعامات تشارك معه في نفس المسرحيات الهزلية التي كان يقوم بها قديما للسيطرة على الشعب ومن ثم للانقضاض على الإسلاميين، أقصد مسرحية «التمويل الأجنبي» التي لم تكن إلا إخراجا رخيصا لفكرة قديمة، تذكرون لعبة «صنع بطل عند شعب متخلف»، تصرف كأنك مضطهد من الدول الكبرى، وأن الدوائر الغربية تتربص بك، سيلتف حولك الشعب وهو تحت تأثير مخدر الكبرياء المزيف، لا عليك بعدها سوى أن تربط عنقه وتحبسه كالكلب حيث لا تنفعه الإفاقة من مخدر المسرحية بعد ذلك.

      ليس غريبا أن يفعلها عبد الناصر بمهارة، ويصل الشعب إلى مبارك وقد دُقت عنقه وانعدمت حتى الضرورة للتمثيل عليه، وليس غريبا أن يسلك العسكر حاليا نفس الطريق بعد أن استرد الشعب عافيته فيلعب لعبة «المؤامرة الغربية»، فمنطق المنفعة السياسية يفرض عليه ذلك، لكن ما هو خارج منطق المنفعة تماما، بل خارج منطق الوعي أصلا، أن تتشارك معه الزعامات الإسلامية في المسرحية رديئة الإخراج، فيتجاهل الإخوان، عن عمد، مسؤولية العسكر عن تهريب العناصر الأمريكية المتورطة، ويلعبون لعبة مسائلة الوزراء، أما الزعامات السلفية فقد تولت الشق الشعبي في المسرحية، فقام «محمد حسان » بدور «ندّابة المأتم» وراح يحشد الشعب خلف العسكري ويجمع المال ليبطل عمل «المؤامرة الغربية». وقبل ذلك كان يقف على أقدس بقاع الأرض، على جبل عرفات، ليمارس أقذر أفعال الإنسان في خطبة دينية، يدافع فيها عن العسكر.

      أما «عبد المنعم الشحات» فقد تولى مهمة «كمال الشاذلي» في النظام السابق لكن من منظور ديني، وباستخدام المنبر، فترك ملابسات مأساة بورسعيد عن بكرة أبيها وانبرى كالليث الهصور ليؤكد أن الأهلاوية الأموات ليسوا شهداء، مش كدة وبس، دول ولاد كلب اتخذوا من اللهو حرفة على غير هدي السلف، ويتعاملون_قبحهم الله_بمصطلحات غريبة مثل «الفاول» «والآوت» «والجول» و«الأوفسايت». لا أدري ما الدور الذي كان يود أن يؤديه هذا الرجل في مجلس الشعب، لا بد أنه كان سيتجه للمنصة التي يقف عليها المسؤول أثناء مسائلته فينصحه سرا تجنبا لخطيئة التشهير بالوالي عملا بنصيحة ابن عثيمين وحتى لا تحدث الفتن.

      لكننا نريد أن نتطرق إلى أمر آخر لا يقل إلغازا وغموضا عن علاقة الزعامات الإسلامية بالعسكر، ألا وهو الموقف السلبي للزعامات السلفية والإخوانية من «حازم أبو اسماعيل».

      ألا يعد أمرا يصعب تصديقه أن يختلف المِزاج السلفي والإخواني تماما في كل شيء بدءا من الملبس وانتهاءا بطريقة التفكير، ثم يتفقون فجأة على رفضهم لشخص هو (الأقرب إلى) تجسيد حلم الزعامة الإسلامية؟!

      رحم الله أبي الشيخ رفاعي سرور، لقد عودني دائما أن أنظر _في الإسلاميين_ لا إلى ما يقال، ولكن إلى ما لا يقال، وأن لا ألتفت دائما إلى (الفكر) و(المنهج) وما إلى ذلك من مقولات تنتمي لمنطق الوعي، وأن أفتش عن (منطق اللاوعي) في التصرفات الإسلامية، عن الدوافع الخفية وراء الأخطاء.

      أخبرني ذات مرة أن كل تيار إسلامي مرتبط قهريا بنقطة بدايته التاريخية لمجرد أنها كذلك، وأن الإخوان مثلا سيظلون يغنون لفلسطين حتى بعد أن تتحرر بمئات السنين، وأن «أنصار السنة» سيظلون ينقمون على الأضرحة وزوارها حتى لو تهدمت أضرحة الأرض، وأن السلفيين سيظلون يفتشون عن البدع الصغيرة حتى في جنة الخلد.

      لقد كانت هذه الملاحظة هي أساس دراسة نشرتها بعنوان: «الحركة الإسلامية بين جوهر الكمال وعوارض النقص»، وقمت بالتنقيب في أصل الدوافع الإسلامية حتى لانت لي كثيرة من المظاهر التي كانت مستغلقة على الفهم، وخلصت إلى أن التيارات الإسلامية العتيقة لا يمكن تفسير كل سلوكها من خلال مناهجها وأفكارها، بل أيضا من خلال وضعها كأنماط نفسية شاذة تهدف إلى حل أزمة داخلية هي أزمة «الاغتراب عن الواقع»، وليست أشكال التيارات الإسلامية سوى طرائق للتكيف مع تلك الأزمة، وأنهم يعيشونها ويعيشون طرائق التكيف معها حتى لو تغير الواقع نفسه.

      سألخص المسألة بوضوح..

      السلفيون لا يريدون في حقيقة الأمر حاكما مسلما عادلا، بل يريدون حاكما علمانيا ظالما لا يجب الخروج عليه، والحاكم المسلم العادل يزعج استقرارهم النفسي لأنه يخرجهم من قالب [الصبر على الحاكم الظالم] ، ولو وجد هذا الحاكم لاستفزوه حتى يخرجوه عن دينه وعدله فيصبرون على أذاه فيعود إليهم سلامهم الداخلي، وتشبثهم بالمجلس العسكري هو (رغبة) وليس سلوكا اضطراريا يُقصد به منع الفتن.

      والإخوان لا يريدون في حقيقة الأمر نظاما إسلاميا، بل يريدون مجتمعا علمانيا صريحا في انحرافه حتى يتوافقوا معه بطرق ملتوية، ولو هدى الله المجتمع كله لفتش الإخوان فيه عن أي فئة منحرفة حتى يتنازلوا لها عن بعض ثوابت الدين بدعوى الضرورة، وفكرة الرئيس التوافقي تعكس عندهم (رغبة) وليست سلوكا اضطراريا يُقصد به تمرير مصلحة دينية.

      الدولة الإسلامية هي أول ما يخشاه الإخوان والسلفيون، وآخر ما يتمناه كل منهما. علينا ألا نغتر بأي مظاهر لحرص السلفيين والإخوان على دولة العدل والإسلام، وأن نعي جيدا أن رغبتهم في بقاء الوضع على ما هو عليه في السابق هي رغبة أكثر خفاءا لكنها أكثر عمقا وأقدر على التأثير في القرارات النهائية.

      والحل هو أن يتحرك الشّباب الإسلامي غير المأسور بالأنماط القديمة والمريضة لتفادي الكارثة التي يوشك أن يجره إليها قيادات تلك الأنماط، هذا الشباب الذي كان أبي رحمه الله يسميه بـ (الإلكترونات الحرة)، استبشارا به وأملا في أن يأتي التغيير على يديه يوما ما.

      رحمك الله يا أبي.