فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تخوين الإخوان .. حَقيقةٌ أم إفتراء؟

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أصبح الإخوان "المسلمون" اليوم في المركز من دائرة الضوء، محلياً وعالمياً، لا في مصر فقط، بل في أنحاء العالم العربيّ المسلم كله، خاصة دول الثورات، كتونس واليمن. وهو أمرٌ كان قادة الإخوان يحلمون به طوال العقود السَبعة الماضية، منذ الخمسينيات من القرن الماضى.

      لكن، الوصول إلى الحلم الذي يراود النفس أمرٌ، وتحقيق أهداف ذلك الحلم أمرٌ آخر.

      أود أن أشير أولاً إلى إننى أتحدث عن الإخوان اليوم، وصاعداً، على أنهم الحكام المُتصدّرون للمَشهد السياسيّ، ومن ثمّ، المسؤولون عن صحة التوجه وصواب القرارات، رغم أنّ القاصى والداني يعلم أنهم صورة يختفى وراءها المجلس العسكريّ، حتى يوم الناس هذا. وهم، إذ تحملوا عبئ هذه المسؤلية، يجب أن يتحملوا ما يأتي معها من مساءلة ونقد وجَرح، فليس لهم عند الله ولا عند الناس دالة خاصة، تجعلهم أعلى من ذلك النقد أو المساءلة أو الجرح.

      التساؤلات التي تَطرحُ نفسها في هذا الصّدد عديدة متشعبة. هل عمل الإخوان، في سنوات القَهر والعَناء، في الإتجاه الصّحيح لتحقيق الحلم؟ هل كان الهَدف واضِحاً خلال هذه الفترة كلها، للقيادة وللأفراد؟ هل تحقق الحُلم، أخيراً، بسبب منهم أو من عملهم؟ ومن ثم، هل توافقت تصريحاتهم وتصرفاتهم مع ما ينتظره منهم ناخبوهم؟

      أحسب أن الإجابة على هذه التساؤلات، يمكن أن تعطى ردّاً على التساؤل الرئيس الذي طَرحناه في عنوان المقال، تخوين الإخوان .. حقيقة هو أم إفتراء؟

      ويجب أنْ نقرر هنا أنّ الأساس الذي يَجب أن يبنى عليه الباحث في أمر الإخوان، والذي يَضمن أن يكون تحليله دقيقاً، أقرب إلى واقع الحال منه إلى أمنيات الخيال، هو أن يتعامل مع هذه الجماعة على أنها جماعة سياسية وطنية، يدين أعضاؤها بدين الإسلام، ويتخذونه مرجعية فردية، لا جماعية. وتدين الجماعة ذاتها بالليبرالية المعتدلة، والتوافقية بين الأديان والمذاهب، على مبدأ "أن الدين لله الوطن للجميع".

      ورغم أن كتابات المؤسّس الأول، حسن البنا رحمه الله، تُعارض هذا التوجّه، بشكلٍ قد يكون كاملاً، إلا إن إخوان اليوم قد انحرفوا 180 درجة عن تعليمات مرشدهم الأول، بل إن مرشدَهم الحاليّ يُفتى بخلاف ما قاله مرشدهم الأول تماما، فيما يتعلق بالتأثير الأمريكي وخطط الحركة على أساس من التوافق مع الغرب، وإن ادّعوا غير ذلك، فالأمر ليس بدعواهم، بل بتصريحاتهم وأفعالهم ومواقفهم. وأن يدعى مدعٍ أنهم قد تربوا على أفكارٍ معينة في فصائل الإخوان، فهذا ليس بحجة على تصرفات قادتهم السياسية، إذ ليست هذه الحالة المُفردة التي نرى فيها إختلاف التربية النظرية عن التوجه العام السياسيّ لجماعة من الجماعات السياسية، سواءً في الإسلام، أو في غيره من الأيديولوجيات، شيوعية أو ليبرالية، أو ما عَداهما. فطبيعة الجَماعة السياسية واحدة في كل أشكالها، أنها تفصل بين النظريّ والتطبيقيّ، بين التعاليم والتعليمات. التعاليم هي تلك المجموعة من المثاليات التي يصلح أن يعيش بها الأتباع، أما التعليمات، فهي التوجيهات العملية التي يتبعها القادة في توجيه دفة الجماعة ككل، وشتان ما بين المصدرين، وما أبعد مرجعية كل منهما عن الآخرى. فمرجعية التعاليم هي دائماً الحَق والعدل والمساواة، ولو في جماعة ماو تسى تونج، أو جماعة تشالز مانسون، لكنّ التعليمات مرجعيتها صالح التنظيم، وقيادته، ورغبة قيادته في البقاء والسيطرة، كأي مجموعة تحكم قطاعاً من البشر. ثم تبرّر هذا بالسياسة والحِكمة وغير ذلك مما يُناسب ظروف كلّ جماعة وبيئتها. لكن دائماً مواقف الأتباع، ورؤيتهم الأحادية الجانب، وقلة المعرفة بأحداث التاريخ وعِبَره ورؤيتهم للتعاليم على أنها مطابقة للتعليمات، بتأويلٍ أو بآخر، تُغبّش على الصورة، وتترك المَجال مفتوحاً أمام القيادات للتلاعب بالحركة وإخراجها عن مسارها.

      وإذا نظرنا إلى عمل الإخوان في العقود السابقة، وجدناه يقوم على فكرة واحدة، ليس لثورة فيها نصيب، لا من قريبٍ ولا من بعيد. إذ إن منهجهم كان، ولا يزال، يعتمد على العمل "من داخل" أية منظومة حاكمة، مهما كانت ملتها، ومن داخل النظام لا من خارجه. وهذا يتفق مع نظرتهم لقضية التشريع ومكانتها في بناء التوحيد، إذ قرروا أن التشريع بغير ما أنزل الله ذنبٌ كالتدخين سواء بسواء، لا علاقة له بكفر. وقد قرر هؤلاء هذا التصور بعد أن استقر في أذهانهم الصورة العملية التي سيتبنونها في العملية السياسية خلال الخمسة عقود السابقة، فالتوا بالنصوص وأنزلوها هذه المنازل التي تدعم توجهاتهم العملية.

      الثورة إذن لم تكن خيار الإخوان أبداً. حتى حين تحرّكت مراكبها دونهم في 25 يناير، أعلنوا أنها مُدانة، وأنه يَجب أن نُعطى النظام الفرصة، من خلال التفاوض مع عمر سليمان. ثم بعد أن انتصرت إرادة الناس على تراجعهم، قلبوا الصورة، للتعامل مع السلطة الجديدة، عَسكر الطنطاوى وعنان، وصارت السلطة العسكرية الجديدة هي الجديرة بالإتباع. فسياسة هؤلاء ثابتة لا تتغير. عدم الثورة، وعدم الخُروج على أية سلطة قائمة.

      وقد رأينا أنّ الثورة قد حدثت على الرغم منهم، بل قاوموها كما قاومها العسكر، بل رَفَضَ المَسجونون مِنهم أن يَخرجوا عن "النظام" الذي سجنهم، بترك زنزاناتهم، حتى سَمَح لهم "النّظام الجَديد" بذلك، فهم أتباع النظام، أيّا كان.

      ولأنّ ما يَطرَحه الإخوان من تعاليم هو ما انتخبتهم الجُموع الشَعبية على أساسِه، صار السُؤال أنْ "كيف نفهم تصريحاتكم وقراراتكم وتصرفاتكم في ضوء هذه التعاليم"؟ كيف يمكن تعليل الرِّضا بالإنتظام في مَجلس لا قيمة له، ولا صلاحياتٍ بالمرة، وبأن يُترك مجلس العسكر في السلطة الكاملة، وهو ما لا يمكن إنكاره بالمَرة، بل هاهم يَتراجعون عن تكوين حكومة إنتقالية بعد أن وبّخهم الطَنطاوى وعَنان في مقابلة مع رئيس مجلسهم، وبعد أن تراجع عن سحب الثقة في الحكومة أو حتى في وزير الداخلية، والبقية تأتي.

      ماذا يقول هذا المجلس، بأغلبيته عن كتابة الدستور القَادم، وعن سلطات رئيس الجمهورية؟ وكيف يمكن أن تبرَّرَ تصريحات قيادات الإخوان، بإنتخاب رئيسٍ علمانيّ، أو أنهم لن يطبقوا الشريعة، بل يؤيدون تطبيق مبادئ الحرّية والعدل لا الأحكام الشرعية، يقولونها صَراحة، ويبيّنون تفاصيلها من خِلال خُطَطهم في مَجال الفنون، والسّياحة، والحُدود، من منطلق أنهم "توافقيون"، يعلم الله وحده ما يعنى هذا إلا أن يكون معنى الشرك في التحاكم وحق التشريع بعينه!

      القاعدة النظرية التي تقوم عليها تحركات الإخوان حالياً، تحكمها آراءٌ وأهواء، دون أحكام شرعية فقهية، وتستند إلى باب مفتوح للتلاعب والتضليل، باب المَصالح والمَفاسد الذي لا يفتحه مجتهدٌ حقٌ إلا إذا أُوصِدَ بابُ النصّ الوارد الصحيح الصريح أمامه. إن وضع أيديهم في يد العسكر، والإستسلام لرغباته، وتناول الفتات الذي يلقيه اليهم، وعقد صفقة معه على القبول بظاهر الحكم، والتنازل عن حقيقته، لهو مناط خيانة بأي مقياسٍ من المقاييس.

      الخيانة، هي فعل فرد أو جماعة ما، لأمرٍ مرفوضٍ ممن فوّضه، دون الرجوع إلى من مَنح التفويض. هذا تعريف الخيانة. وهل فعل الإخوان إلا ذلك؟ هل فوّضهم الشعب في الأخذ بفتات ما يلقيه لهم العسكر؟ هل فوّضهم في عقد صفقاتٍ يقتسموا فيها السلطة مع العسكر، يمنحونهم التسلط على مقدرات الشعب وثرواته، مقابل أن يجلسوهم على كراسي البرلمان؟ لم يفوضهم الشعب في هذا. لا، بل فوضهم في تطبيق شرع الله، والأخذ بقوة على يدِ الفاسدين ممن أهلكوا الحَرث والنسل. أين إذن حسنى مبارك من سجن طرة؟ أين محاكمات الضباط المجرمين القتلة؟ دواماتٌ من لجانٍ يغرقون بها الشعب الغافل، وهم يعلمون أن "بابا" الطنطاوى، سيصفعهم على "قفاهم" كما فعل في إجتماع اليوم مع رئيسهم في البرلمان، الكتاتني، وأخرس ألسنة من يطالب بحكومة إئتلافية، من النواب الذين لا ينتمون إلى أصحاب صفقة "كامب سليمان". وما مطالبة عصام سلطان الأخيرة بالحكومة التوافقية إلا حركة سياسية لإحراجهم وبيان عدمية صلاحياتهم الممنوحة من العسكر.

      نعم، الإخوان خانوا الأمانة، وخانوا الله والوطن، حقيقة لا إفتراءً. وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون.