فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عن الإنتخابات، والعقيدة، والميدان!

      الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

      مقالي هذا يستهدف إيضاح تساؤلين، أوّلهما، ما هو التبرير العقدي للقول بالإباحة أو الندب للمشاركة في الإنتخابات؟ وثانيهما، ما هو العمل في تلك المُحاولات المُستميتة للعِلمانيين في السّيطرة على الحُكومة الإنتقالية العاجلة؟

      أما عن التبرير العقدي، فقد ذكرت من قبل، مراتٍ عديدة، أنّ الإنتخابات، كما بيّنت ذلك مراراً من قبل، هي في حقيقتها عملٌ من آليات السيطرة على القوة والتسلط في المجتمعات الحالية، لا يمكن، بل ولا يصح، إعتبارها، بذاتها، أمراً من ثوابت العقيدة الإسلامية. وهي كوسيلة، يتبعها الباطل الجاهليّ الحاضر، للسيطرة على أجهزة الدولة كافة، وتمرير الكفر وإقراره بغطاءٍ تشريعيّ، أصبحت واقعٌ لا يمكن إلا لأعمى إنكاره، أو إدعاء أنه غير موجود، فمجرد الذهول عن أمرٍ لا يجعله يختفى إلا في عقل طفل أو مجنون.

      وقد ذكرنا في مقالنا السابق عن إنتخابات الغد، أنّ "لا يصح تَرك أي وَسيلة للبَاطل دون الوقوف في وجهها، إن كان في ذلك دحضٌ لباطل مُحقّق، أو كان في عدمه إبطالُ حقٍ مُحقّق". كما بيّنا الفَرق بين ما يجرى اليوم وما كان يحدث من قبل "كما في الإنتخابات البرلمانية التي تجرى تحت ظِل أنظمة علمانية مُسيطرة بالفعل، ومُستقرة بالوضع، لا مجال لإختراقها بعشرات النواب ممن لا قوة لهم ولا حيلة، إلا صورةً تُكمل الديكور التشريعيّ. والتَسوية بين تلك الحالتين، فيما نرى، تسوية بين مختلفين، وجَمع بين متفرقين".

      من هنا نودّ أن نؤكد انّ هذه الإنتخابات، في هذا المَناط ليست نصراً لطاغوت، ولا خرقاً للولاء والبراء، بل إن تركها بالكلية، دون دفع صائلها، هو الذي يعتبر كشفاً لثغرٍ يهاجم منه المسلمون، دون أدنى محاولةٍ لسدّه. مع التأكيد على أنّ هذه الوسيلة ليست هي التي ستأتي بالإسلام إلى سُدّة الحكم، ومن ظنّ هذا فقد أبعد النجعة، وأخطأ النظر. فهي دفاع وليست هجوم، وهي سلب وليست إيجاب، والقوى السلبية لا تحقق تقدماً بل توقف زحفاً. إنما ما سيأتي بالإسلام هو الإعتصام الذي وقفت في سبيله سذاجة الإسلاميين وسوء تقديرهم لما يجرى على الساحة. إذ كان من الممكن أن يلتزموا بالإعتصام، وأن يشاركوا في هذه الإنتخابات، معا في آنٍ واحد، بلا تعارض بينهما، بدلاً من ترك الساحة خالية اليوم أمام العلمانيين، يحاولون جاهدين أن يستغلونها لصالح لادينيتهم. وهو نتيجة مُباشرة لسوء تقدير هؤلاء الإسلاميين، إذ قد نجح الإعتصام دون مشاركتهم، كما نَوّه البعض، أنها قد أثبتت أنّ الشارع المِصرى فيه من الضّغط الكافي دون الإخوان، وسقوط وَهمِ أنه بلا الإخوان لا يمكن الضغط عن طريق الشارع.

      وقد بلغنى أن الأخ الشنقيطيّ قد ألف كتاباً عن "المشركون في سبيل الله"، فإني أُثنى على حُسن إختيار العُنوان، فهو جديد ظريف، لكن لكل إمرئٍ رأيه الذي يقابل به المولى يوم يقوم الحساب، ولا تعليق لي على ما كتب، فإنى لا أحسب أنه جاء فيه بجديد سوى العمومات التي يلجأ اليها هو وإخوانه من آيات الولاء والبراء والتحاكم.

      أما عن محاولات العلمانيين للسيطرة على المشهد في الميدان الآن، فإن التيارات الإسلامية الغائبة المغيّبة هي المسؤولة أمام الله سبحانه عن هذا الأمر، وسيحملون إصره في أعناقهم يوم القيامة، فإني أحسب أن ليس بينهم من يُحسن الفتوى بأبعادها، وبإعتبار كافة مكوناتها، بسبب قلة الإحاطة بجوانب العِلم والتخصّص في جوانب منه عند البَعض، أو بسبب ضعف القدرة العقلية التحليلية الإستنباطية عند البعض الآخر، وهو ما لا يمكن لأحدٍ أن يُعترف به ويُقرّه على نفسِه.

      ولعل الإستفادة المتبادلة بين التيارين العلمانيّ والإسلاميّ في وجه السَيطرة العَسكرية على الدولة، أن تبقى الضَغط في الشّارع لحين يحكم الله بيننا وبين مجلس العسكر الكفريّ. لكن، أخشى أن يقل هذا الضغط، لأي سبب كان، وأن يستسلم الثوار للوضع القائم.

      كما أرى انّ إختيار الجنزورى، اقل ضرراً من إختيار محمد البرادعيّ بلا شك، على بطلان كليهما. كذلك انّ هذه الحكومة ستواجه مسؤلية هائلة، ولن يمتد بها العمر طويلاً، فلا معنى لكثرة الحديث عن أفرادها. ولعل وجود ذلك المجلس الإستشاري الذي اقترحه الجنزورى مؤخراً، إن كان لابد منه، ويضم الشيخ حازم أبو اسماعيل كإسلاميّ خالص، والبرادعيّ كعلمانيّ خالص، وعبد المنعم أبو الفتوح كرجل من رجال الأعراف، لا إلا هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لعل مثل هذا المَجلس أن يكون مُقيِّداً إلى حدٍ ما لتصرفات الحكومة في الفترة القادمة، وإن كانت هذه الحكومات الكرتونية كلها لا معنى لها ولا طعم ولا رائحة.

      ثم أؤكد أخيراً على أنّ الثّبات في الميدان خيار لا يمكن الإلتفات حوله، أو تركه، بل هو قلب القوة الضاغطة، فلا يجب أن يترك المسلم موقعه في الميدان، تحت أي سبب كان.

      أيدكم الله بنصره يا شباب الإسلام