فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المسلمون في كينيا.. جزء حي من مجتمع مأزوم

      بقلم: علي عبد العال

      لم يخض المسلمون غمار الانتخابات الرئاسية الأخيرة في كينيا - وإن شاركوا في عملية الاقتراع كجزء من الشعب- لأن المتنافسين على الرئاسة لم يكن من بينهم أي مرشح مسلم، باستثناء (ناظلين عمر) التي خاضت الانتخابات تحت شعار «رئيسة الشارع».

      وعلى الرغم من أن الاعتراضات على نتائج الانتخابات قادها زعيم المعارضة غير المسلم، ضدّ رئيس الجمهورية غير المسلم أيضًا، فإن المسلمين -مثل غيرهم- صدموا بهذه النتائج، حسبما أعلن رئيس «منتدى القيادات الإسلامية» عبد الله عبدي، ملقيًا اللوم على «لجنة الانتخابات التي قصَّرت بدورها في عملية الفرز الدقيق لأصوات الناخبين».

      وكغيرهم من أبناء الشعب الكيني تضرروا كثيرًا؛ جراء الصراع، وأعمال العنف التي اجتاحت البلاد، عقب الإعلان عن تلك النتائج؛ حيث شهدت مناطق يقطنها المسلمون جرائم قتل، وأعمال نهب، وإحراقًا للمنازل، والمحلات التجارية المملوكة لهم.

      ولعل نظرة سريعة على الخارطة السياسية للمسلمين في هذا البلد الشرق إفريقي، تنبئ بأن هذه الأقلية -التي عانت طويلًا من ظلم اجتماعي وسياسي واقتصادي- لم تختر أن تنضوي تحت أي من المجموعات العرقية والإثنية، المتنافسة على السلطة في البلاد. ذلك على الرغم من بروزهم -لأول مرة في تاريخ التعددية الحزبية القصير- ككتلة مهمة ذات تأثير حاسم في الانتخابات.

      بل وسجل المسلمون موقفًا مشرفًا عندما خرجت قيادات (المجلس الأعلى لمسلمي كينيا) و(مجلس الأئمة والدعاة) لتعلن للناس أنها -كأهم مرجعيات المسلمين في كينيا- لا تتدخل في خيارات الناخب المسلم، ودعت الناس إلى التصويت لمن تروق لهم برامجه، دون أن تكون هناك وصايا على المسلمين، ورأى الشيخ محمد إدريس رئيس مجلس الأئمة: أن القضايا السياسية هي جزء من الحقوق الديمقراطية التي تُمَارس على الصعيد الفردي.

      ولقد أفاضت التقارير التي تحدثت عن ودهم الذي سعى المرشحون إلى خطبه، حتى علق (محمد طيج) -صحفي كيني مسلم- بالقول: «هذه أول انتخابات يبدي فيها المرشحون للرئاسة الكينية اهتمامًا بالمسلمين». إذ إن شعورًا عامًّا بأن أصوات المسلمين غالية جدًّا كان سائدًا في هذه الانتخابات عن الاستحقاقات السابقة.

      وبحسب صحيفة «ستاندارد» الكينية، شارك الرئيس المنتهية ولايته (مواي كيباكي)، ومنافسه أودينجا المسلمين احتفالاتهم بعيد الفطر، كما اعتمد كيباكي -ولأول مرة- عيد الأضحى كعطلة رسمية في عموم كينيا، بعد أن كان عطلة خاصة بالمسلمين فقط دون غيرهم. وشكَّل أيضًا لجنة عليا ضمت النائب العام، والسكرتير العام لوزارة الخارجية، ومندوبين من الوزارات؛ لتقصي الحقائق حول شكوى المسلمين من وجود تمييز ديني ضدهم، من قِبَل الدوائر الحكومية، وخاصة عند استخراج البطاقة الشخصية وجواز السفر.

      وفي حومة السباق الرئاسي تحدث المراقبون عما أسموه «انقسامًا» شهدته الأوساط الإسلامية، حول المرشح الذي صوتوا له؛ حيث أرادت شريحة كبيرة من المسلمين عقاب كيباكي؛ لعدم استجابته لحل قضاياهم أثناء فترة حكمه التي امتدت 4 سنوات، ولتعاونه بشكل كبير مع واشنطن فيما يسمى بالحرب على «الإرهاب»؛ لذا ناصرت غريمه (رايلا أودينجا)، وتزعم هذا الاتجاه بعض قيادات «ملتقى زعماء المسلمين».

      بل وتناقلت وسائل الإعلام الكينية أن أودينجا وقَّع معاهدة سرية مع بعض القيادات من «ملتقى زعماء المسلمين» لحل مشاكل المسلمين، كما وعد في حال فوزه بوقف التعاون مع أمريكا في الحرب على الإرهاب، وكانت تصريحاته عامة مؤيدة لقضايا المسلمين. وقد أرجع رئيس المجلس الأعلى للمسلمين الشيخ (محمد دور محمد) سبب ذلك إلى عدم وفاء كيباكي بوعوده للمسلمين في الانتخابات التي فاز بها قبل خمس سنوات، إلا أن الشيخ حسين، وهو من علماء الدين البارزين في كينيا، عارض الفكرة، ورأى أن كيباكي أوفى بالتزاماته للمسلمين، والتي تمثلت في بناء جامعة في مومباسا، وصيانة الطريق الذي يربط المدينة الساحلية ذات الأهمية التجارية بالعاصمة نيروبي. والشيخ حسين ضمن شريحة راضية عن أداء كيباكي، وتعتقد -رغم مخالفتها إجماع المسلمين- أنه الأقدر على حل مشاكلهم، وتراه متفهمًا لقضاياهم العادلة، ويتزعم هذا التيار بعض القيادات في «مجلس الأئمة والدعاة».

       

      بعض مشاكل المسلمين في كينيا

       وبشكل عام، يواجه المسلمون في كينيا حزمة من المشاكل القديمة، أهمها : تضاؤل وزنهم السياسي، وعدم لعبهم الدور الذي يتناسب مع أوضاعهم. فعلى الرغم من أنهم يشكلون ثلث السكان (35% من عدد السكان البالغ 32.5 مليون نسمة، حسب موقع سكان العالم) فإنهم لا يلعبون دورًا سياسيًّا يُذْكَر، بل ويعانون من التهميش؛ حيث إن مجلس الوزراء الكيني لا يضم إلاّ وزيرين مسلمين للتضامن الاجتماعي والتراث، وهما منصبان ثانويان.

      وبينما يبلغ إجمالي مقاعد البرلمان 224 مقعدًا، لا يحوز المسلمون منها سوى على نسبة 10% من مقاعد البرلمان الحالي، وهو ما يؤكد أن القيادة السياسية في البلاد تقع كاملة في أيدي النصارى والوثنيين.  ويذهب الدكتور محمود أحمد عبد القادر -مدير مركز (لامو) للشباب المسلم في كينيا- إلى أن المسلمين في كينيا عانوا طويلاً من التهميش والتمييز، وأُبعدوا طوال العقود الخمس التي تلت الاستقلال عن مراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي، وحُرمت مناطقهم من الخطط التنموية، وإنشاء مدارس، أوجامعات أو مستشفيات.

      وعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية تضرب جميع الكينيين، إلاّ أن هذه الأزمة تظهر أشد وطأة في الأماكن والتجمعات التي يشكِّل فيها المسلمون أغلبية؛ إذ وصلت نسبة المسلمين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من 55% ، كما تنتشر في صفوفهم البطالة بنسبة 30% ، نتيجة السياسات الحكومية التمييزية ضدهم، والتصميم على حرمان مناطقهم من الخطط التنموية. بل إن المأساة تتصاعد حينما تعلم أن الحكومة حاولت تغيير الطبيعة الديموجرافية في مناطق المسلمين.

      وقد أدت الحرب المزعومة على الإرهاب إلى غلق الكثير من مكاتب مؤسسات الإغاثة الإسلامية، والتي كانت تزود المسلمين في كينيا بالكثير من العون فيما يحتاجونه من مشروعات، فبينما أغلق البعض من تلقاء نفسه، أغلقت الحكومة الكينية البعض الآخر، ولم يتبق إلا النزر اليسير من تلك الهيئات.

      ويقول قادة المجتمع المسلم: إن أكبر مصدر لسخط المسلمين ومعاناتهم، هو التحالف العميق بين كينيا والولايات المتحدة في الحرب على ما يسمى (الإرهاب)، ومشاركة نيروبي في «التسليم الاستثنائي» للمواطنين لمراكز اعتقال سرية خارج البلاد؛ حيث اعتقلت الشرطة عشرات المسلمين، وتم تسليمهم على هذا الأساس.

      وكان رئيس المجلس الأعلى لمسلمي كينيا، قد أدلى بحديث لشبكة التليفزيون الكينية (K.T.N)، طالب فيه الحكومة الكينية بإلغاء دور أجهزة المخابرات الأمريكية في تتبع وملاحقة من تسميهم أمريكا بالإرهابيين. وقال الشيخ (آل بو سعيد): إن حملة تلك الأجهزة تركِّز وتوجه دائمًا ضد المسلمين؛ مما يولد انطباعًا خاطئًا لدى المواطنين بأن الإسلام دين إرهاب، مبينًا أن المسلمين في كينيا يتصفون بالوداعة والمسالمة، وعدم الميْل إلى العنف.

      ويعاني المسلمون أيضًا في هذا البلد من الزحف التنصيري الهائل، والسيطرة اليهودية المتغلغلة في البلاد، لا سيما بعد إجبار الهيئات والمنظمات الإسلامية كمؤسسة (الحرمين)، و(الندوة العالمية للشباب الإسلامي) على مغادرة البلاد ، مما أفسح المجال أمام حركات التنصير والتهويد مثل «شهود يهوه»، والإرساليات التنصيرية الأمريكية. حيث تنفق هذه المنظمات أموالاً طائلة؛ لتذويب هوية المسلمين؛ غير أن هذا الإنفاق لم يُقابل بتحقيق نجاحات إلا نادرًا، وفي أوساط القبائل الوثنية.

       

      خارطة المسلمين في البلاد

       وبشكل عام، ينتشر المسلمون في أغلب المدن الكينية، خصوصًا في مدن الشمال والشرق الكيني، مثل موباسا، وكيلوا، وماتيه، وجيدي، وسانجي، ولامو، وماليدي، وماجوما، بالإضافة إلى العاصمة نيروبي وما حولها.. ومن المسلمين بكينيا جالية هندية باكستانية، وجالية فارسية، هذا فضلاً عن الجالية العربية.

      وللمسلمين في كينيا العديد من الهيئات والجمعيات يزيد عددها عن الخمسين، على رأسها:

      ـ «المجلس الأعلى لمسلمي كينيا»:

      وهو الممثل الرسمي للمسلمين أمام الحكومة الكينية، والذي يتواصل معها من أجل رسم السياسات الخاصة بالمسلمين، وضمان حقوقهم، ويندرج تحته كل من «مجلس العلماء» و«مجلس الأئمة والعلماء»، وهما المختصان بالشئون الدينية وشئون المساجد في كينيا.

      ـ «مجلس الأئمة والعلماء»:

      أنشئ عام 2001م ويضم فرعه الرئيس في العاصمة نيروبي 12 عضوًا، وله 4 فروع أخرى نشيطة، ويقوم على برامج التوعية من الأمراض، وبرامج للتوعية بالمشاركة في الانتخابات العامة، وبرامج للتوعية بالحقوق المدنية، وبرامج للتدريب على العلوم العصرية مثل علم النفس، والبرامج الاجتماعية للأئمة، وبرامج أخرى لرفع مستوياتهم العلمية.

       ـ«المنتدى الوطني لقادة المسلمين»:

      ويضم 15 من ممثلي المجالس والمؤسسات الإسلامية في البلاد، وله 6 فروع في أقاليم كينيا، حيث يقوم بدور اللوبي الإسلامي، الذي يمارس الضغط على الحكومة من أجل مناصرة قضايا وحقوق المسلمين.

      وحسب المتابعين لتحولات الوعي العام لدى المسلمين الكينيين، فإن هناك تعاطيًا إيجابيًّا مع معظم القضايا الإسلامية بين هذه الأقلية، وهو ما ظهر بوضوح في المظاهرات التي شهدتها المدن الكينية المختلفة عقب أزمة الرسوم المسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتصريحات البابا بندكت السادس عشر، بالإضافة إلى وجود تعاطف شديد مع القضايا الإسلامية في فلسطين والعراق، فيكفي أن أحد أشهر شعراء المسلمين في كينيا قد نظم قصيدة شعر في شهداء الفلوجة والمجاهدين أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، تضمنت نقدًا حادًّا للمجازر الأمريكية والإسرائيلية حيال الشعبين الفلسطيني والعراقي.

      وفي اختلاف بشأن الوضع العام للمسلمين في كينيا، رأى الأستاذ (سعيد عثمان) -عضو منتدى القادة- أن المسلمين يعانون من التمييز ضدهم في كينيا. وهو ما خالفه عليه الشيخ (أحمد محمد عثمان) -عضو مجلس الأئمة- الذي رأى على العكس أنهم يتمتعون بحرية كاملة في التعبير عن آرائهم حول القضايا العامة، وفي ممارسة العمل الأهلي، حسبما نقلت عنهم مصادر صحفية.

      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      هذا المقال منشور في موقع "لواء الشريعة"

      www.shareah.com

      ومن ثم يحظر نشره دون الإشارة إلى المصدر