فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      العسكر و المشايخ - هل يعيد التاريخ نفسه ؟؟

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس، أن يقول بحق إذا عَلِمه)

       (( عندما جلس كل من رئيس وزراء انجلترا و فرنسا لويد جورج و جورج كليمنصو في السفارة الفرنسية بلندن ، و حينما كانا منفردين قال كليمنصو : و الأن عن أي شيء تريدنا أن نتحدث ؟ أجاب لويد : عن بلاد الرافدين و فلسطين ، فقال كليمنصو : قل لي ماذا تريد ؟ أجاب جورج : أريد الموصل ، فقال أتريدها ؟! و هل هناك شيء أخر ؟ فاستطرد جورج قائلاً : أريد القدس أيضاً ، فأجاب كليمنصو : و تريد القدس؟! فعلق سكرتير مجلس الوزراء البريطاني موريس هنكي قائلاً : و هكذا يُكتب التاريخ .))

      و بالفعل هكذا يكتب التاريخ، فهناك لحظات تاريخية في تاريخ الأمم و في هذه اللحظات يكتب المستقبل الذي سيصبح يوماً ما تاريخ  ، تاريخ مُشرف أو تاريخ يزيد من رصيد الذل و العار ، و هذه اللحظات الحرجة لابد أن يتنبه لها أهل الحكمة فلا مجال فيها للسهو أو الغفلة .

      و على مدار التاريخ الإسلامي في مصر يُكرر التاريخ بنفس أخطاء الماضي في هذه اللحظات الحرجة  ، يعيد التاريخ نفسه كما يقولون بأطرافه الثلاثة من عسكر ماكر مخادع و شعب مُغيب تابع و مشايخ و علماء لوثوا أيديهم بصفقات في الدروب المعتمة أو ساذجة سياسية لا ترتقي أن يعتقدها من يتصدر لقيادة الناس .

      لن أتكلم هنا عن إنقلاب 1952 التي سمي فيما بعد ثورة نُسبت للضباط الأحرار كما سموا أنفسهم، ولا عن دور الإخوان المسلمون فيها و أنهم هم من خططوا لها من البداية ليأتي جمال عبد الناصر و يقطف الثمرة و يذيقهم فيما بعد ما أذاقه فرعون لبنى إسرائيل (1) ، و لن أتكلم عن ثورة 1919 كيف كانت في بدايتها إسلامية ثم انحرفت بفعل فاعل عن المسار ليركبها سعد زغلول و من معه (2) ، و لكنى سأسلط الضوء على فترة حكم المماليك مصر و من بعدها الحملة الفرنسية الصليبية على مصرنا المسلمة و تولي العسكر و علي رأسهم محمد علي الحكم في مصر تمهيداً للعلمانية التي توغلت مناحي الحياة من وقتها إلي الآن .

      يقص علينا الجبرتي تاريخ مشايخ قد ثاروا على الأمراء المماليك يطالبونهم بإقامة الشرع كيف خافوا وضعفوا و أخطأوا الطريق و ضيعوا ثورتهم بدخولهم إلى ما يسمى الديوان الذي أقامة الفرنسيين بعد ما وطئت أقدامهم القاهرة يوم الثلاثاء 10 صفر سنة 1213ه/ 4 يوليه سنة 1798م ، هذا الديوان الذي كان بمثابة الإلهاء لهؤلاء الشيوخ التسعة الكبار الذين يعتبعهم العامة ، فكان الديوان هذا بدخولهم فيه إقرار منهم بشرعية الوجود الصليبي الفرنسي في مصر، في حين رفض مشايخ آخرون الدخول في هذا الديوان و هم : السادة المشايخ  السادات وعمر مكرم ومحمد الأمير .

      يقول الأستاذ محمود شاكر (3)  : ( كيف استجاب هؤلاء التسعة من المشايخ العلماء الكبار لغاز مسيحي بهذه السرعة العجيبة كيف استجابوا وهم يعلمون صريح أوامر الله وأوامر رسوله بقتال الغزاة لدار الإسلام كيف استجابوا وهم كانوا بالأمس القريب قد ثاروا على الأمراء المماليك يطالبونهم بإقامة الشرع كيف خافوا وضعفوا و أخطأوا الطريق وكان لهم مندوحة في رفض الاستجابة كما فعل ثلاثة من إخوانهم العلماء الكبار ينبغي أن يكون لهذه السرعة في الاستجابة بلا تردد تفسير يقبله العقل، ويمهد لهم عذرا يقبله العقل أيضا على مضض ) مرجع؟

      ثم خرج المحتل الفرنسي من مصر، و كان شعب مصر المسلم يقف وراء نقيب الأشراف السيد عمر مكرم و من معه من طائفة المشايخ  ، و كان في استطاعته أن يحكم الناس في مصر بكتاب الله عز و جل و يكون هو الحاكم الشرعي وقتها،  و كان المصريون على استعداد أن يفادوه بأرواحهم لكنه زهد فى الولاية و لا ندرى إن كان زهداً خالصاً أم ممزوج بخوف من الفرق المتطاحنة من المماليك و أعوان الأنجليز و أعوان الفرنسيين .

      ثم استقر رأى المشايخ علي إسناد الأمر إلي العسكر و على رأسهم الماكر المخادع محمد على سرششمه ، الذي قدر على خداع المشايخ و أتقن الركوع و السجود خلفهم فانخدعوا فيه ، و هنا يُكتب التاريخ مرة أخرى  ، يعلو محمد على فوق عرش مصر ليقوم بإبادة المماليك في مذبحته الشهيرة علي يد قائد شرس أصبح اسمه فيما بعد رمزا لإرهاب الشعب المصري المسلم (4) ، كل هذا في صمت و غفلة من المشايخ ،

      يقول الأستاذ محمود شاكر : (فكانت أول غدرة غدرها (محمد علي سرششمة) هذا بالذي نصبه واليا على مصر، وبذل له في ذلك كل جهد، وهو قائد الأمة مشايخها وجماهيرها، نقيب الأشراف (السيد عمر مكرم)، فإنه بمكره ودهائه أوقع بينه وبين بعض المشايخ، ثم انتهى الأمر بأن نزع عنه نقابة الأشراف، ثم نفاه إلى دمياط في أول رجب 1224ه (22 أغسطس 1809م)، أي بعد ولاية هذا المغامر الغدار بأربع سنوات فقط، وبقى السيد عمر في منفاه الأول هذا عشر سنوات، حتى استدعاه إلى القاهرة فجاءها طنطا 22 رجب سنة 1237 ه (15 إبريل سنة 1822م)، فتوفى رحمه الله في تلك السنة نفسها. ثم استدار بعد ذلك على المشايخ يوقع بينهم، ليوهي سلطانهم على جماهير الأمة، ويفتت قوة الجماهير بعسفه وظلمه وإرهابه وجبروته، بعد القضاء على قادتهم وتشتيت شملهم، وكذلك كان، والأمر لله من قبل ومن بعد. وكذلك ظفر (الاستشراق) بالمشايخ الكبار، ومهد لعزل الأزهر ومشايخه عن قيادة الأمة، وأوغر صدر هذا الجبار، ومكن في قرارة قلبه بغض الأزهر وشيوخه وطلبة العلم المجاورين فيه، وانفرد هو بإذن هذا الجاهل الجريء المستبد، يوحون إليه بما يريدون وما يبينون، ويتمون ما بدأوا به من وأد (اليقظة) التي تهددهم بها دار الإسلام في مصر، على يد مسلم جاهل غر أهوج، لا يعرف كثيرا ولا قليلا من (الثقافة المتكاملة) التي حفظت دار الإسلام قرونا طوالا، وكانت لب (اليقظة) و(النهضة) الوليدة التي كان قريبا جدا أن تؤتي ثمارها.

         وثبت هذا الطاغية (محمد علي سرششمة) قواعد ملكه، وازداد إطباق (القناصل) و(المستشرقين) على عقله وقلبه، وخاصة الفرنسيون منهم، وكانت إنجلترا ومستشرقوها ما فئت تخوف الدولة التركية وتؤلبها على مهد (اليقظة) في جزيرة العرب، والتي قام بها وأسسها (محمد بن عبد الوهاب) (1115- 1206ه/ 1703- 1792)، (انظر ما سلف: 82، 88، 118).

      واستجابت دار الخلافة بغفلتها إلى هذا التأليب، حتى جردت حملات متتابعة لقمع اليقظة الوهابية، وآبت في جميعها بالإخفاق. ثم منذ ولي (محمد علي سرششمة) جعلت تركية تدعوه إلى تجريد جيوشه لقتال الوهابيين، وتتابع هذا الطلب من سنة 1807م إلى سنة 1810م (1222- 1225ه)، فلم يستجب لنداء تركية، ولكن الاستشراق بقناصله زين أخير لمحمد علي سرششمة أن يستجيب، ليحقق مآربه في وأد اليقظة التي كادت تعم جزيرة لاعرب، وأمدوه بالسلاح الذي يعينه على نخوض الحرب، وذلك في سنة 1226 ه/ 1811م، أي بعد ولايته مصر بست سنوات، وسارت الجيوش قاصدة جزيرة العرب، ودارت الحرب التي لم تنته إلا بعد ثمان سنوات، في سنة 1235ه/ 1819م، وفقدت الجيوش المصرية آلافا من أبنائها، ولقيت هزائم كادت تودي بها. وأخيرا تم النصر لمحمد علي سرششمة، بعد أن ارتكب من الفظائع ما لا يستحله مسلم، واستباح الديار والأموال والنساء، وهدم المدن، فكان هو وابنه إبراهيم وسائر أولاده طغاة من شر الطغاة. وكانت حربا طاحنة لا معنى لها، ولا ينتفع بها إلا مؤرثوها من دهاة المسيحية الشمالية. )

      لقد أضاع السيد عمر مكرم اللحظة التي يُكتب فيها التاريخ و ضاع هو بعدها أيضاً و أضاع الحلم الجميل لتعيش مصر في هذا الكابوس الألباني و سلالته عقود تلو عقود  ، و كان بوسعه أن يقول للشعب المسلم (إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) فهل تم إستعياب الدرس ؟؟

      لم يستوعبه الأزهر و لا الحركات الإسلامية من يومها إلى اليوم ، و كرر الأخوان نفس الخطأ في 1952 ليمهدوا لحكم عبد الناصر و الشيوعية و الإشتراكية و من بعده الرأسمالية و الديمقراطية و الارتماء في أحضان الغرب الصهيوصليبى و التبعية  له  ، و الآن يُكتب التاريخ في جولة أخرى بين المشايخ و العسكر فأما التقدم بخطى ثابتة نحو هيمنة الشريعة و تحكيمها في البلاد و العباد ، و أما الدخول في نفق الليبرالية المظلم أو تمديد حكم العسكر عقود تلو أخرى . 

      و إن كنا لم نجد في أنفسنا حرج لتقديم النصح للمشايخ في مراجعة موقفهم السياسي ، فإنا نُهيب بالشباب المنتمى للحركة الإسلامية أن يسمع و يطيع دون أن يناقش و يكون له رأى من خلال استقراء التاريخ و السنن الربانية و أن يتبع أموار الشريعة و يجعلها حاكمة على رأى المشايخ و لا يكون رأى المشايخ هو الحاكم عليها ، فأنتبهوا جميعا رحمكم الله فالآن يُكتب التاريخ ......

       مروان سالم - أمين تنظيم حزب العمل بالإسكندرية

       

      (1)   راجع محاضرة تاريخ حكم العسكر للشيخ عبد المجيد يوسف الشاذلي على الشبكة العنكبوتية

      (2)   الاتجاه الإسلامي في الثورة المصرية سنه 1919 اسم المؤلف: زكريا سليمان بيومي

      (3)     كتاب رسالة في الطريق إلي ثقافتنا .. للأستاذ محمود شاكر

       قائد مذبحة القلعة هو محمد بك لاظ أوغلي والذي لا زالت قوى القهر تحافظ عليه كرمز لبث  الهلع و الفزع في نفوس المصريين لمجرد ذكر اسمه .

      (4) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا - العلامة محمود شاكر