فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الأجندة الخفية للمصريين في دارفور

      - بقلم : علي عبدالعال Aly_abdelal@yahoo.com

      نفى الرئيس المصري حسني مبارك أن تكون لبلاده "أجندة خفية" في إقليم دارفور، ولدى توديعه الجنود المصريين بحضور الرئيس الليبي معمر القذافي، قال مبارك :

      إنه اتخذ قرار المشاركة في "القوة الهجين" بعد دراسة متعمقة لاعتبارات سياسية وعسكرية عديدة، معتبراً أن : "مصر تسعى لتحقيق السلام في جنوب الوادي بشرف وتجرد".

      ومما لا شك فيه أن هذا النفي على لسان مبارك شخصياً لم يأت من فراغ، لأن المعلن رسمياً بشأن هذه القوات العسكرية، أنها تذهب فقط لحفظ السلام في الإقليم المضطرب غرب السودان، فإذا اضطررت َ لنفي عكس ما كنت قد أعلنته فأنت حتماً متهم بشيء آخر، غير المعلن، وهو المقصود من عبارة "أجندة خفية".

      إذن ـ وبصريح العبارة ـ مصر متهمة من جهات أخرى بأن لها أجندة خفية وراء إرسال قوات مسلحة إلى دارفور. فإن صح هذا الاستنتاج، فربما يكون الرد عليه "ولما لا" ؟ وأزمة دارفور لم يجر اختلاقها على هذا النحو إلا لأجندة خفية لدى الذين اختلقوها وظلوا ينفثون النار لإشعالها، في السودان البلد العربي الفقير.

      ومن المعلوم سلفاً أن حكومة السودان لم تقبل بدخول قوات أجنبية إلى الإقليم إلا في ظل ضغوط غربية (أمريكية ـ أوروبية ـ أممية) متواصلة، وبذريعة وجود عمليات تطهير عرقي يتعرض لها السكان هناك. حيث أدلى منسق العمليات الإنسانية التابع للأمم المتحدة، موكايش كابيلا، بتصريحات في مارس 2004، اعتبر فيها أن النزاع في دارفور أصبح "أكبر كارثة عالمية على الصعيد الإنساني وعلى صعيد حقوق الإنسان". كما طالب الرئيس الأمريكي جورج بوش الخرطوم بـ"التحرك الفوري لإنهاء ـ ما أسماه ـ الأعمال الوحشية في إقليم دارفور".

      وفي حين رأى الأمين العام للأمم المتحدة ـ في حينه ـ كوفي عنان: أن الأمر "قد يحتاج إلى تدخل عسكري خارجي لوقف القتال". قال رئيس اللجنة العسكرية في الاتحاد الأوربي: إن قوة عسكرية أوربية قد تتدخل في إقليم دارفور.

      ولما بدا أن هناك حملة غربية منظمة للتدخل في السودان، تستهدف وحدته وأمنه واستقراره، وافقت الحكومة ـ في ظل تزايد الضغوط ـ على مبدأ القبول بالقوات الأجنبية، إلا أنها ظلت متشبثة بجنسية هذه القوات، مشترطة وجود قوات عربية وإسلامية من بينها.

      وفي ظل الإصرار الغربي المتمثل في مواقف وتحركات (أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنرويج) والذي بدى للمتابعين غير مبرر، كانت التساؤلات تطرح نفسها بحثاً عن تفسير مقبول، بعيداً عن فرية التطهير والتشريد والتهجير. خاصة وأنه ليس من عهد هذه القوى المعروفة بالكبرى التورط في مثل هذه القضايا الشائكة (مجاناً).

      يشمل الصراع في إقليم دارفور مجموعة صراعات متشابكة، تتداخل في تأجيجها جهات محلية وحكومية وأسباب اجتماعية واقتصادية. وهو صراع قديم جديد كان ينشأ قديماً بين السكان من الرعاة والمزارعين على الموارد الشحيحة، وتغذيه الانتماءات القبلية والعرقية، إلا أنها صراعات سرعان ما كان يجري تطويقها وتسويتها من خلال النظم والأعراف القبلية السائدة بين الدارفوريين أنفسهم.

      لكن ومع دخول عوامل أخرى في الصراع ـ إقليمية ودولية ـ وصل الحال إلى ما هو عليه الآن، إذ أن العديد من البلدان الأوربية مثل (هولندا وألمانيا والنرويج) صارت تعتبر أوضاع السودان قضية داخلية، تناقشها البرلمانات ويزايد بشأنها الساسة.

      وفي الشأن الإقليمي اتهم مسئولون في الحكومة السودانية عناصر بالمخابرات التشادية والإريترية بدعم المتمردين، كما ترددت تقارير حول مشاركة عناصر من دول أفريقية أخرى (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وأوغندا وإثيوبيا) في الصراع المسلح الذي دار بالإقليم.. وقد ثبت للجيش السوداني، أن معدات، وأسلحة، وعربات عسكرية تم انتاجها بالمصانع الإسرائيلية، تركها المتمردون خلال معاركهم مع القوات الحكومية.

      وبهذه المعطيات تحولت قضية دارفور ـ مع الدعاية الغربية ـ إلى ذريعة للتدخل الأجنبي في أخص شئون السودان (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية) ووصل ذروتها مع الدعوات المكثفة للتدخل العسكري الغربي المباشر.

      وأمام هذه المجريات الخطرة، لم يكن من المعقول للمصريين أن يقفوا مكتوفي الأيدي، خاصة وأن الأمر هنا يتعلق بأمنهم القومي، فضلاً عن كونه تهديداً مباشراً لأمن واستقرار ومستقبل دولة عربية مسلمة هامة وعزيزة كالسودان. وحقيقة لم يكن التحرك بضخامة الكارثة المحدقة، بل جاء أكثر من متأخر ولم يكن بحجم المسئولية،

      واقتصر على إرسال ما يقرب من 1200 جندي، إلى جانب بعض التحركات السياسية والدبلوماسية المتواضعة لدى المحافل والخارجيات، إذا ما قورنت بالضغوطات الأوروبية، والعقوبات الأمريكية، والنداءات الأممية.

      طالبت مصر فيما طالبت القوى الغربية بعدم ممارسة الضغوط على الخرطوم، خاصة وأن طرفي الصراع سواء من الحكومة أو من سكان دارفور كلهم مسلمون، وهو ما ينفي تهمة الاضطهاد أو ممارسة التطهير العرقي ضدهم، من جانب الحكومة. كما دعت ـ لإثبات حسن النوايا الغربية ـ إلى منح القروض للحكومة السودانية ـ بدلاً من اعطائها الفصائل المتمردة ـ للتوصل إلى خطوات تحقق هذا هدف السلام الذي يطالب به الغربيون، إلا أن مطالبها ذهبت هباء وظل الأمريكيون والأوروبيون يتحركون وفق مخططات سالفة وأجندة تدعمها المؤسسات الكنسية والتنصيرية في العالم.