فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أهالي غزة ممنوعون.. حتى من البكاء

      د. أحمد عبد الله، الحزب الديمقراطي للعدالة والتنمية

      مفكرة الإسلام: الناظر فيما آلت إليه أحوال المواطنين في قطاع غزة خلال الأشهر الأخيرة لا يكاد يصدق عينيه وأذنيه. وأتساءل باستغراب: هل من المعقول أن يتم نسيان وإهمال شعب ضحى بالغالي والنفيس من أجل المحافظة على كرامة أمته وإرثها؟ وإذا كان النسيان من طبيعة البشر فهل كان لأحد من أبناء العروبة والإسلام أن يتخيل مشاركة العديد من حكوماتهم في حصار إخوتهم في القطاع ومنعهم من أبسط حقوقهم؟ وإذا كانت لدى تلك الحكومات تحفظات على الحكومة في غزة فما ذنب الشعب هناك ليعاني الأمرين وكافة أشكال العذاب؟ وهل من الممكن للحكماء والعلماء أن يقدموا تفسيرًا لما يجري سوى أن العالم أجمع - عربه وعجمه - إنما أراد لأبناء القطاع وفلسطين أن يقتنعوا في النهاية أن لا خيار أمامهم سوى ذلة الاستسلام والانصياع لشروط إسرائيل والصديقة أمريكا!!

      يريدون لنا استسلامًا نُقر من خلاله أننا لا نصلح لحكم أنفسنا, وأننا لا نستحق أرضًا ولا وطنًا, وأننا دفعنا بأبنائنا وشعبنا إلى نفق مظلم ما له من قرار.. استسلامًا نعترف فيه بسيادة منطق القوة والظلم وشريعة الغاب الدولية وعربدتها, ما يدفعنا لاتباع أساليبها على حساب شعبنا وإخوتنا مما يجردنا من تاريخنا وأمجادنا وما كنا نتغنى به من النخوة والشهامة.. استسلامًا يفرض علينا القبول باستخدام مصطلحات جديدة تمزق صفنا أكثر وأكثر، فهؤلاء خونة وعملاء وجواسيس لأمريكا وإسرائيل, وأولئك شيعة يتسترون بالدين, وفريق ثالث يعمل بأجندة خارجية وهلم جرًا..

      استسلامًا يجردنا من تفكيرنا وينزع من قلوبنا الإنسانية والرحمة حتى وصل بنا الحال إلى الامتناع عن تقديم العلاج لإخوتنا وأحبتنا، والامتناع عن أداء أعمالنا وخدمة وطننا, والعجيب أن ذلك كله استجابة لأوامر من قيادتنا وإمعانًا في تعذيب وقهر أبناء غزة المجاهدين..

      استسلامًا يحول أكبر فئات الشعب من العمال إلى قطعان من المتسولين على أبواب "الشرعيات" في غزة ورام الله، ونسي مدّعو تلك "الشرعيات" أن هؤلاء الضعفاء هم من أتوا بهم إلى سدة الحكم، وكأننا نعيش العهد الذي تلد فيه الأمة ربتها..

      استسلامًا يعتبر الوطنية والرجولة ليست بالمقاومة والكفاح ضد الأعداء ولكن بقطع أرزاق أعداد كبيرة من الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء القطاع، لكي يتباهى هؤلاء الوطنيون بما فعلوه ويستجدوا به رضا أعداء شعبهم..

      استسلامًا يرفض الأخ بموجبه مصافحة أخيه والنظر إلى وجهه، بينما يعانق قتلة شعبه ويوزع عليهم القبلات والابتسامات والضحكات على موائد الطعام.. استسلامًا يكرس القطيعة ويقسم الشعب إلى قسمين, والوطن إلى جزأين, ويتلاعب بمستقبل المواطنين الذين أصبحوا كالكرة يتقاذفها اللاعبون بأقدامهم دون حول لها ولا قوة.. استسلامًا يسوغ للمناضلين تسليم أسلحتهم واعتقال إخوانهم وسومهم سوء العذاب دون اعتبار لقرابة أو صلة رحم أو أُخُوة سلاح.

      بل إنهم يريدون أن يفرضوا علينا استسلامًا نقبل فيه - بل ونصفق - عندما يتم نعت القتلة والمجرمين بالأبطال والشهداء دون مراعاة لآلام أهالي الضحايا وهمومهم، وكأن أبناءهم الأطهار حفظة كتاب الله كانوا رجسًا من عمل الشيطان فيفخرون بقتلهم.

      وأخيرًا وليس آخرًا فهم يسعون ليفرضوا علينا استسلامًا يزرع الموت في الأسواق والأماكن العامة ليخرج أحد كبرائهم ليقول: إنه يتفهم التفجيرات التي تحدث في غزة!! هل يمكنك أخي الفلسطيني والعربي أن تصدق ما آلت إليه الأمور وكيف انقلبت الموازين حتى بتنا نفخر بالاستقواء على بعضنا وإذلال بعضنا للآخر!! وهل يعلم العالم ومنظماته الحقوقية والأهلية أن شعب غزة لا يجد من مستلزمات حياته إلا ما يبقيه على قيد الحياة من الطعام والشراب والوقود وبأغلى الأسعار، وكأننا في سجن كبير؟ وهل يعلم العالم المسمى بالحُر أن مقومات الحياة العصرية جميعها قد توقفت عن التدفق إلى غزة, فحرم أبناؤها من لوازم البناء وقطع الغيار والمواد الخام اللازمة لتشغيل المصانع والأيدي العاملة وما إلى ذلك؟ وأتساءل: هل هذه هي العولمة الحديثة التي يدعون الناس إليها، والتي يجب علينا القبول بها في القرن الحادي والعشرين؟! وهل يعلم العرب والمسلمون أن أبناء غزة والمجاهدين فيها على وجه الخصوص تقتلهم الإصابات والأوجاع دون أن يجدوا طريقًا للخروج بغرض العلاج؛ كون غزة تفتقر إلى المؤسسات الصحية المتخصصة!!

      لهذا وغيره كثير أراد شعب غزة أن يبكي إلى الله حاله وأراد أن يشد رحاله إلى بيته المحرم في رمضان ليشكو إلى خالقه بثه وحزنه ويدعوه أن يرفع عنه ما نزل به من بلاء وما حل بشعبه وقضيته من تراجع. أراد أن يذهب إلى هناك ليتشبث بأستار الكعبة ويقسم على الله برحمته وعفوه وقدرته أن يصلح حاله ويأخذ بناصيته إلى خيري الدنيا والآخرة. إلا أن أهل غزة – للأسف – ممنوعون حتى من البكاء مع إخوانهم المسلمين في بيت الله الحرام, فقد غُلقت عليهم الأبواب والحدود وضُرب عليهم الحصار, وكأن الطاعون قد حل بأرضهم فخافهم إخوانهم ومنعوهم من عبور حدودهم ليشكوا إلى الله ما أصابهم.

      واكتفى أهل غزة بالتأمين على دعاء إمام الحرم في آخر أيام رمضان, وذلك من أمام شاشات الفضائيات، وعسى الله أن يتقبل دعاءهم وبكاءهم عبر الفضاء مع إخوانهم المسلمين هناك في بيت الله الحرام.

      إخواننا عربًا ومسلمين, هل يضايقكم إذا طالبناكم أن تتركونا ولا تمنعوننا من أن نبكي لله عز وجل حالنا ونشكوا له ضعفنا وقلة حيلتنا، أم أن علينا أن نهتف "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" على حدود القطاع أيام الحج الأكبر!!! وماذا عسانا أن نفعل وقد رمانا الجميع عن قوس واحدة سوى أن نلجأ إلى الله وأن ندعوه أن ينتقم لنا ممن ظلمنا وآذانا وحاصرنا ومنعنا من أداء شعائرنا وعباداتنا, ونسأله تبارك وتعالى أن يكتب لنا صلاة متقبلة في بيته الحرام يوم الحج الأكبر، عاجلاً غير آجل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.