فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      وصايا لقمــــان (4): "عالِمُ الغيب والشهادة..."

      “يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ“(16)

      ولقمان لم يـُوجّه في هذه الآية الكريمة وصية مباشرة لإبنه، وإنما أدى اليه خبراً، وأيّ خبرٍ! خبر مكنونات الظاهر والباطن، وقائع الغيب والشهادة، التي هي، عند الله سبحانه، كلها من المشهود المعلوم. فالإنسان يُصوّر له غروره أنه قد يكتم سراً أو يخفى حقاً أو يوارى سيئة ثم ينجو من عواقب ما أخفى وكتم. هكذا يصوّر للإنسان غُرُورَه وغَرُورَه . ولكن الحق أنه لا شيئ على وجه الأرض يذهب سدىً، لا شيئ على الإطلاق، لا قول ولا فعل ولا خطرة ولا فكرة، ولا همّ ولا حرث.. كلها في كتاب، مهما دقّت عن السمع ومهما خفيت عن العين، حتى لو كانت في حجم حبة الخردل، وحتى لو كانت هذه الحبة من الخردل مخبوءة في صخرة من الحفريات أو دائرة في فلك من أفلاك المجرات، أو في باطن الأرض دفينة بين الطبقات، ولو كانت همسة عقلٍ سارح، أو خفقة قلب سائح، أو فلتة لسان جامح، فهي مكشوفة معروفة لا تغيب عن عالم الغيب والشهادة، يأت بها شاهدة على صاحبها إما له أو عليه، يوم يقوم الحساب. فالله سبحانه لطيف لما يشاء، يدع الأمور وكأنها، كما يهيئ للإنسان غُرُورَه وغَرُورَه، تجرى على ما يريد، ولكنّ الله خبير، عنده كامل الخبر إلى أدق تفاصيله. فليحذر الإنسان وليعلم أن عمله محسوب عليه كما أنّ أنفاسَه معدودة عليه، وأن سعيه، مطلق سعيه، في الحياة الدنيا لا يضيع.

      وما أراد لقمان هو أن يوصى ابنه بألا يجعل للشيطان سبيلا إلى عقله، يهيئ له أنّ خبيئة أمره ستظل خبيئة وأنه سينجو من شرِّ فـَعَله وينجو بلا عقاب، أو أنّ ما يفعل من خير سيذهب هباءاً لا يستفيد منه ولا يعود عليه بثواب. هذه أوهام من لا يعرف اللطيف الخبير " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل أو سارب بالنهار" الرعد 10. والمؤمن يعرف أن الله سبحانه مطّلع على الأحوال والضمائر والقلوب، وعلى خائنات الأعين وما تخفي الصدور، وما تقترف اليد وما تسعى له الأقدام، لا يمنع علمه ظلام مجدول ولا حجاب مسدول، فهو في حيطة من أمره، يتخفى في فعل الخير ليتجنب الرياء، ولا يقرب ما يحتاج أن يتخفى به من فعل الشرّ، وهو في الحالين يعلم أن الله يراه من حيث لا يراه.