فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      وصايا لقمــــان (2): "يا بني لا تشرك بالله..."

      "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (13).

      هكذا بدأت وصايا لقمان لإبنه بأوجب ما يجب على المرء أن ينشأ عليه وليده، عدم الشرك بالله، ويحمل هذا التوجيه الأبوىّ غاية ما يتمنى إمرء أن يرى ولده آخذا به بقوة. ونلحظ أنّ لقمان لم يقل لإبنه "يا بنيّ وحّد الله"، رغم قرب ما بينهما للعين غير المتفحّصة، ولكن التعبير القرآني لا يضع كلمة في موضعٍ إلا ولا يمكن لغيرها أداء معناها والقيام بدورها في هذا الموضع. فإن توحيد الله قد يصحبه شرك به كما قال تعالى " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ" يوسف [106]. بل نجد إن هذه الدعوة هي مقتضى الطاعة والعبادة التي جاء بها كافة أنبياء الله فيما قالوا لقومهم أن إعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. والشرك أمر خافٍ على الكثير من الناس خاصة في هذه الأزمنة التي إختلطت فيها معاني الحروف والكلمات، وضعف فيها اللسان العربيّ مما أخلّ بفهم الناس عن الله ورسوله، وتخفى الشرك تحت أسماء وأشكال تلاعب بها المغرضون ليوهموا الناس بأنها ليست من الشرك في شيئ، فالادينية تخفّت باسم العلمانية، والحكم بغير ما أنزل الله إنشاءاً وتشريعاً تخفـّى وراء "القانون الوضعي" بل وتلاعب به المغرضون من أصحاب الهوى والبدع من منتسبي الإسلام فجعلوه معصية بمنزلة شرب الدخان! وزيّن بعض شياطين الإنس من علماء السلاطين ومشايخهم أمر هذه الأحزاب السياسية والتكتلات الوطنية الناشئة عن وشيجة غير وشيجة الإيمان وعرى الإسلام من ناحية، وتغاضوا عن قتل الدعاة من المسلمين والآمرين بالمعروف منهم في كافة أنحاء أرض المسلمين من ناحية أخرى، مخالفة لقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" آل عمران (21).

      إن عبادة الله سبحانه وعدم الشرك به هى مدلول "لا إله إلا الله" إذ هي نفي للألوهية عن غير الله سبحانه وإثباتها له وحده دون غيره. والإقرار بألوهية الله هي ما ينبنى على الإقرار بربوبيته سبحانه فمن خلق ورزق، من له الأسماء الحسنى الصفات العلى هو من يُعبد ويُطاع دون غيره " أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ" الأعراف 54، ومجرد الإقرار بالأسماء الحسنى والصفات العلى لا ينفى الشرك عن المرءِ ولا يُدخله في الإسلام، كيف وقد قال تعالى على لسان كفار قريش "وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" آل عمران 61 ، فالإقرار بالربوبية ليس بالضرورة إقراراً بالألوهية، وليس بالضرورة إقراراً بالطاعة والإلتزام.

      ثمّ أيّ ظلم وإثم وشرك أن يُطاع من لم يَخلُق، وأن يُخالفُ أمر من خَلَقَ تشريعاً ووضعاً وحكماً في دماء الناس وأبضاعهم وأموالهم. نعم، إن الشرك لظلم عظيم، ظلم كفر وردّة ورجوع عن الإسلام وانتكاس عن التوحيد.

      وهكذا اختلطت المعايير والمفاهيم وتداخلت المعاني والمباني وتبنت السلطة المفهوم الإرجائي الأشعريّ في فصل الإيمان عن العمل أولا، ثم في إنزال التشريع بغير ما أنزل الله عن درجة التوحيد ثانياً وإنكار أنه أعلى صور الطاعة لله وأن العبادات إنما هي فرع من الإلتزام بهذه الطاعة.

      حقٌّ على كلِ والدٍ أن يعرف واجب الأبوة كاملاً، وأن يدعو فلذات كبده إلى الإحترازِ من الشرك وأنّ يبين لهم حقّ التوحيد والطاعة لله سبحانه، وأن يجنبهم الظلم في أبشع صوره وأخسّها.