فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      جديد السياسة العربية والجمهوريات الملكية

      عرف العالمُ أنواعا من الحكم تنوّعت بين الملكية التي تتربع فيها العائلة المالكة على سدّة الحكم، إما لتحكم حكما فعليا كالملكيات العربية، أو صورياً كالملكية الإنجليزية وبعض الملكيات الأوروبية، وتقوم على التوريث للسلطة الملكية داخل العائلة المالكة، والجمهورية، التي يُفترضُ أنها تقوم على حكم ديموقراطيّ حزبيّ، يتولى فيها الحكم حزب الأغلبية، أو حكم فيدراليّ جمهوريّ تتحد فيه ولايات أو محافظات تحت حكم جمهوريّ موحّد، يقوم على الإنتخاب الشعبيّ. ثم نظام الخلافة الإسلامية الذي هو فريد في بابه لا إلى الجمهورية ولا إلى الملكية في شيئ.

      وقد عرفت النظم العربية الشكل الملكيّ لقرون عديدة، وتعوّدت محاسنه ومساوئه، كما عرفت النظام الجمهوريّ منذ أكثر من نصف قرن، بعد أن تحولت بعض دولها من النظام الملكي الذي ادّعت فساده إلى الجمهوري لتعلن حكم الشعب للشعب من أجل الشعب! كما حدث في مصر وليبيا والعراق.

      ولكن الظاهرة التي بدأت تشيع الآن في السياسة العربية، والتي لا يعارضها الغرب طالما لا تزال تحتفظ بالشكل الديموقراطي دون موضوعه، هي ما يمكن أن يصنّفه علماء السياسة بنظام "الجمهوريات الملكية" والتي يتبنى فيها النظام الشكل الجمهوري صورياً، وتقوم فيها أحزاب صورية بالتنافس الصوريّ على الحكم، ويتسلط على الحكم أسرة بصورة "شبه ملكية" يكون فيها تولى السلطة وريث العائلة وابن الرئيس الحالي عن طريق "الإنتخاب المضمون"!

      بدأت هذه الصورة في سوريا، التي تولى فيها بشار تركة أبيه حافظ الأسد العلوى وهو لا يزال رئيسا للحزب الحاكم، ورئيسا للقوات المسلحة. ثم بدأت الصورة تتكرر في دولتين متجاورتين، مصر وليبيا.

      ففي ليبيا بدأ العقيد القذافي إعداد وليّ عهده "سيف الإسلام" لتولى السلطة، بلا أحزاب ولا يحزنون، فجمهورية القذافي هي نادرة من نوادر الهزل القذافيّ المعتاد. والشائعة في مصر، أن التجهيزات قد بدأت ليتولى جمال تركة أبيه حسنى مبارك، ومعها رئاسة الحزب الوطنيّ، إنْ حاز بمباركة الجيش لولاية العهد.

      ولاأدرى، ولا يدرى معي المحللون السياسيون، عن هذا الشكل الجديد للحكم وتداوله! كيف يعمل، وعن كيفية استمراره، هل يتولى الحفيد العهد بعد الإبن؟ وهل يلزم لتغيير العائلة الحاكمة إنقلابا عسكرياً؟ أم مجرد "العقم" النسائي في العائلة كفيل بإنهاء السلسلة!، وهل يدخل الإخوة غير الأشقاء وأبناء العمومة في سلسلة التوريث؟ أسئلة كثيرة أعتقد أن الوقت كفيل بالردّ عليها. ولكن الأهم هو ما أدّى إلى تطور، أو تدهور، الأمور إلى هذه المرحلة التي أظهرت وليداً غير شرعيّ للملكية والجمهورية، أو قل كائناً شاذاً عن سلسلة التطور الطبيعي الذي يرتقي في سلم التطور لصالح المخلوقات لا للإضرار بها.

      ونحسب أنّ هذه الصورة من الحكم لها وجهان متضادان يتراوحان بين المصلحة والمفسدة، أو الضر والنفع، فمن الضار المفسد أنه ينتج عنها تكريس التزييف والهرج الإنتخابيّ واستخدام النظام الحزبيّ مطية لأهواء العائلة شبه "الملكية"، ثم إنها ترسم للشعب خطى "الفهلوة" وخطة "وضع اليد" بالإنقضاض على ما لك وما ليس لك طالما لديك القدرة على ذلك. إلا أن لقائل أن يقول أن هناك منفعة أو مصلحة في هذا الوضع السياسي الجديد، إذ إن المتابع للحلقة السياسية في هذه البلاد يرى أنها تسير من سيئ إلى أسوأ، فإن إعتبرنا أن الإبن، في غالب الأحيان، أخفّ وطأة من أبيه وأنه لا يحتاج إلى القوة الباطشة لتكريس حكمه، إذ الأب قد تكفل بهذا الأمر، لوجدنا أن حكم الإبن قد يكون أخفّ وطأة من حكم أبيه أو من هو في منزلة أبيه من الغرباء عن العائلة "شبه الملكية". فهل يجعل هذا النظر ذلك الوضع مقبولا لدى المعنيين من باب إحتمال أخف الضررين والنظرة البرجماتية البحتة؟ لا أدرى، ولكن وإن كان الأمل في الخلافة على النهج السنيّ لا تزال أملا معقوداً فإن الشقة بيننا وبينه قد تحتّم براجماتية معينة في النظر والتعامل مع الواقع المرير. والله وحده أعلم

      د. طارق عبد الحليم