فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      إنه كان ظلوما جهولا

      يتحدث الناس عن ظلم الحاكم – أي حاكم - وجبروته وطغيانه وعن القمع الذي يمارسه والإرهاب والفساد الذي يشيعه في حياة الناس وفي مقدراتهم، وأعجب، هل يمكن لرجل فرد يحتل مكان "الحاكم" أن يفعل كل هذا الشر بمفرده؟ كيف يتسنى لرجل فرد أن يقوم بكل هذه الشرور ويبوء بكل هذه الذنوب وحده بلا شريك؟ هذا أمر لا يعقل ... من الذي يقوم بإصدار الأوامر التفصيلية التي تفصّل إرادة الحاكم؟ ثم من الذي يقوم بتنفيذ هذه الأوامر وإخراجها إلى عالم الواقع؟ الحاكم ولا شك لا يخرج في الشوارع ليعتقل الأبرياء ويشرد الأسر ويوقع كافة الأوراق التي تتحول بمقتضاها أموال الناس إلى حسابه الخاص؟

      الأمر إذن يتعلق وبشكل شبه كليّ على من هم وراء الحاكم، لو تخيّلنا هذا الجهاز الهائل الذي يتحرك بإرادة الحاكم ويعمل لحسابه لعرفنا من الذي نلوم على ما نحن فيه ولعرفنا لماذا نحن فيما نحن فيه! ومن هم وراء الحاكم، وياللأسف هم من أبناء الشعب نفسه الذي تقع عليه هذه المظالم! دائرة مغلقة لا يبررها منطق ولا يؤيدها عقل!

      إن إلقاء اللوم على الحاكم وحده لا يخلى مسؤولية الملايين الذين يساندونه في كل مرفأ من مرافئ الحياة بلا استثناء والذين يقومون بتحقيق ما يشيعه من فساد إن كل خلية من خلايا الشعب قد اصيبت بسرطان الحكم. وإن كنت في ريب مما اقول، فقل لي بالله عليك: من الذي يرتب صناديق الإقتراع المزورة، ومن الذي يحملها إلى مراكز الإقتراع، من الذي يفرغها ويدوّن النتائج "المضروبة"؟ ثم، من الذي يحاصر المتظاهرين، ويعذب المعتقلين .. إنهم أفراد من هذا الشعب، يعملون ضدّ آبائهم وأبنائهم وأصدقائهم بل وأنفسهم.

      ثم أيكفي إدعاء أن هؤلاء الذين يعملون لحساب الحاكم منهم من يعرف ويقصد ومنهم من لا يعرف ولا يقصد؟ أظن والله أعلم، أن هذا الجهل وهذه النية لا تعفي من المسؤولية باي حال من الأحوال مهما كان السبب، فإن اليد التي تسرق قد أمر الله سبحانه بقطعها وهي إنما تعمل لحساب حاملهان دون إرادة مستقلة منها. وهؤلاء الذين يعملون لحساب الحاكم، بعلم أم بجهل إنما هم يد الظلم وقدمه وعقله، ولا أقصد تلك الطغمة التي تحيط بالحاكم من الوزراء والمستشارين، فهؤلاء هم "الحاكم" بشحمه ولحمه، وإنما أقصد أفراد الشعب الذين يحملون تلك الأوامر محمل التنفيذ، ويظنون، ويظن الناس معهم أنهم مجبورون على تلك الأفعال، لا والله الذي لا إله إلا هو ليسوا بمجبرين، بل هم مكلّّفون بنفس التكليف الإلهي مغيرهم بأن لا ينصروا ظالما أو يساندوا جباران فكيف وهم أداته ومبراته؟

      لقد آن لكل فرد من أفراد الأمة المقهورة أن ينظر فيما يفعل ولما يفعل ما يفعل وما هي نتائج ما يفعل، الموظف والشرطيّ ومدير البنك ونائب الوزير وغيرهم من طبقات الشعب، ولا يظنن أحد أن ما يشارك به في مساندة هذا الحاكم إنما هو مجرد حصوة صغيرة في جدار هائل أو قطرة في محيط الفساد، فماذا يضر إن فعل ما فعل فإن امتناعه لن يغير من الوضع شيئ. هذا خطأ عقلا وحرام شرعا. فإن كل إمرئ محاسب على عمله كبُر أثره أم صَغٌر.

      إن الحاكم لا يقوى على ظلمه بنفسه، بل بلسلسة من الفساد لا تنتهى إلا مع أصغر ضابط يوقع أمر إعتقال لا سبب له أو سائق يقود سيارة تحمل معتقلين بلا جريرة، وكل صحفي يكتب سطورا يؤيد بها ظلما أو يمجد من يكرّس الظلم. كلهم شريك في الجرم، أمام الله وأمام الناس.

      على كل فرد أن يحاسب نفسه ويحدد موقعه فإن الأمانة ثقيلة وعبئ حملها قد ناءت به الجبال من قبل، وحملها الإنسان من قبلن إنه كان ظلوما جهولا.