فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      اعْدلـوا هو أقـربُ للتقـوى

      أمرٌ اجتمعت الخلائـق كلها على تحسينه والترغيب فيه، حتى من قبل ورود الشرائع أو في عهد الفترات، وإن اختلفت دلالاته من عصر إلى عصر ومن مكان إلى مكان، فهو مَعقِد آمال الناس أن يدركوه أو أن يدركوا منه ما استطاعوا؛ ألا وهو العـدل.

      والعدل سمة رئيسية ليس من سمات الإنسانية فحسب، بل ومن معطيات النضج الحضاريّ، فالحيوان لا يعرف العدل إلا كما تمليه عليه غرائزه، فإن شبع وقضى حاجة الجسد لنفسه، فهو العدل له. والإنسان السويّ يعرف من العدل معاني عديدة يستشفّها من التمعن في كتاب الله المشهود؛ الكون، وكتاب الله المقروء ؛ القرآن.

      العدل سمـة من سمات الكمال، يتصف بقدر منها الكبير والصغير، الحاكم والمحكوم، الرئيس والمرؤوس، الزوج والزوجة، الآباء والأبناء، الدائن والمدين، … ثم ما شئت من الأصناف والأجناس، كلها يستشرف إلى العدل ويسعى إلي تحقيقه.

      وكلمة العدل تحمل معنى المعادلة؛ أي أن يجازى الشئ بعدله أو ما يوازيـه ويساويه؛ قال تعالى "أو كفارةٌ طعامُ مسكينَ أو عَدْلُ ذلك صياما" المائدة95، أي ما يكافئ إطعام المسكين، فمن قدّم خيرا فالعدل أن يرى عدله خيراً، ومن قدّم شراً فالعدل أن يكافأ بنظير فعله شرّاً، قال تعالى:"فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" وهو مقتضى العدل المطلق الذي لا يقدر عليه إلا الله سبحانه.

      الكبير يعدل بعطفه على الصغير وإنصافه فيما ولّـي عليه فيه، والصغير يعدل باحترامه للكبير واتباع نصحه ورؤية الصواب في رأيه وحكمه، والحاكم يعدل في حكمه بمراعاة الله في أحكامه وبتطبيـق الشريعة لا يحيد عنها إلي غيرها من شرائع البشر أو إلي شرع هواه، والمحكوم يعدل بإتباع الحاكم وعدم الخروج عليه طالما أقام الشرائع وحدّ الحدود. الرئيس يعدل بحسن التوجيه لمرؤوسيه وإعطائـه الرعايـة اللازمـة والإمكانـات الكافيـة لتحقيق المطلوب منه، و المرؤوس يؤديها بإعطاء العمل خلاصة فكره ووقته ليجيده كما ينبغي. الزوج يعدل بمراعاة حقوق زوجه في العمل على تأمين الحياة الكريمة لها ورعايتها بإعطائها الاهتمام الكافيّ والمودة القريبة. وعدل الزوجة بتقدير زوجها وتبجيله واحترامه، و تهيئة البيت كما يود أن يراه. فالعدل، إذا، أمر يستلزم جانبين يتعادلا ولا يصلح عدلا، ولا يقوم في الناس، إن كان من جانب واحد.

      وكثير من الناس اليوم، ومن المسلمين من الناس، ومن الدعاة من المسلمين، ومن المخلصين من الدعاة، لا يعرف كيف يقيم العدل فيما يعرض له من أمور تتعلق بعلاقته بمن حوله من الناس ومن المسلمين ومن الدعاة. فهو إن تعرّض لما ظنّ أنه موقع به ضرراً كان سبّاقاً إلى الظلم متجاوزاً للعدل، ومبرره في ذلك المصلحة العامة!! فهو يرمي من يعتقده على خطأ بما لم يشهد عليه شهادة حق، وبما لم يتحقق من خطئه بما لا يدع للشك سبيلا قبل أن يقع في طعنه بما قد لا يستحق. أفلا يتق الله ربه، أفلا يعرف أن العدل شيمة من شيم الرسل، قال تعالى:"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، وقال تعالى:"إن الله يأمر بالعدل والإحسان"، وقال تعالى:"ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا".

      فاحرص على العدل تكن ممن سَعد بحسن الجزاء وبالبعد عن غواية الشيطان.