فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      من هَـديّ النُبـوّة: فمن رغب عن سنّتي فليس منّي

      عن حُمَيد بن أبي حُمَيد الطّويل أنه سمِع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثةُ رَهْطٍ إلى بيوت أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبيّ صلى الله عليه وسلم فلمّا أُخبروا كأنهم تَـقَالّوها، فقالوا وأين نحن من النبيّ صلى الله عليه وسلم قد غُـفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم، أمّا أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي." رواه البخاريّ، في النكاح.

      حديث جامع مانع تنطق ألفاظه بميراث النبوة المحمدية وبشرعة الإسلام الوسطية، فخشية الله سبحانه وتقواه لا ترتبط بكَمّ العبادة أو كَيفِها، وإنما هو الالتزام بما شرعه الله سبحانه وما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، فالأصل في العبادة الإتباع لا الابتداع، التوقيف لا التحريف، وقد قام هذا الدين على الوسطية والاعتدال، لا على الغلو والتطرف، والتقوى تكون بالتزام الشريعة كما أُنزلت دون زيادة أو نقصان، فحدّ العبادة أن نعبد الله وحده وأن نعبده بما شرع، فالحد الأول ينجي من الشرك، والحد الثاني ينجي من البدعة.

      قال الصحابيّ: وماذا عليّ لو زدت بعض الأمور عما فُرض في الشريعة، أليس أفضل أن أبذل الجهد وأن أمارس الزهد في الدنيا لأتقرب إلى ربي؟ أليست الدنيا مشغلة عن الآخرة، ففيم إذن الرقاد وقد فغر الموتُ فاهُ للعباد؟ فلأصلي على الدوام ولأجافيّن المنام، وقال الآخر: فما لي أشبع البطن وهي قريبا إلى خواء، فلأصومن دهري عسى أن يغفر ذنبي، وقال الثالث: وما لي ألتمس لذة قصيرة في نكاح النساء واللذة ذاهبة والحساب باق، فلأعتزلن النساء طول عمري لعل في ذلك رضى ربي. والناظر في هذه الحجج التي زينت البدع يرى أنها نشتبه بالحق لمن لم يتقيّد بالشرع ولم يلجم النفس عن مزالق التطرف، فالزيادة في الدين، كالنقص فيه، كلاهما مخالف للشرع، ذكر الشاطبيّ في الاعتصام:"فإذا كل من منع نفسه من تناول ما أحل الله من غير عذر شرعيّ فهو خارج عن سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم، والعامل بغير السنة تدينا، هو المبتدع بعينه" الاعتصام ج1 ص44، والشيطان يزيّن للناس أن الزيادة في التعبّد التي لم يأتي عليها دليل تُقَرِبُ من الله، وهو ما أثبته الشاطبيّ عن ابن العربي عن الزبير بن بكّار أن رجلا أراد أن يُحرم من المسجد النبويّ ويزيد أميالا عن الميقات الذي أحرم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل الإمام مالك فقال: " لا تفعل، فإني أخشى عليك من الفتنة، فقال: وأي ففتنة! إنما هي أميال أزيدها؟ قال مالك: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم " الاعتصام ج1ص132 . فالفتنة هي في البعد عن السنة، زيادة أو نقصاناً. وما ابتدعه الناس من أشكال العبادات غير المشروعة سواء في الذكر أو صيام النصف من شعبان أو غيرها من البدع إنما هي سبب في البعد عن الله لا في القرب منه، والأصل الاعتصام بالسنّة والعمل على وفقها لا في مخالفتها وإن ظهر ببادي الرأي أن في ذلك تقرّبا إلى الله سبحانه، فما تقرب عبدً إلى الله بأفضل مما فرضه عليه. والحديث عن البدعة والابتداع حديث طويل يستغرق صفحات تملأ كتبا، ولكن وجبت الإشارة هنا إلى أهمية هذا الحديث الجامع في تقرير ما نفعل وما نترك، والناس لم يتركوا سدىً دون هداية ليخترعوا عبادات وطرق يتقربون بها إلى الله، فالزم أخي المسلم طريق السنة تكن من الناجين المهتدين، وفر من البدع وطرقها فرار

      د. طارق عبد الحليم