فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الجواب الصارم على كتاب حلمى هاشم

      الجواب الصارم على كتاب حلمى هاشم (اصحاب السّبت واصحاب الحدّ)

      نبّهنا بعض قراء موقعنا على كتيبٍ وضعه حلمى هاشم، يردّ به على كتاب الشيخ الفاضل عبد المجيد الشاذِليّ "حدّ الإسلام وحقيقة الإيمان"، وعلى كتابي الذي أسميته، في طبعته الأولى، "فتح المنان في بيان حقيقة الإيمان" عام 1979، ثم طُبع مِراراً بعدها بإسم "حقيقة الإيمان، كما يراه القارئ على موقعنا، والذي عزاه حلمى هاشم خطأً أو عمدا للشيخ الشاذليّ، واعترض في كتيبه على كثيرٍ مما ذهب اليه الشيخ الشاذِليّ، وما ذهبت اليه، في الكتابين المذكورين، بل ووصف هذه الأقوال بالبدعة!، في متن الكتاب وفي عنوانه، إذ أصحاب السبت هم اليهود الذين بدّلوا كتاب الله!

      وسأتبع في تعقبى هذا طريقة تصلح لمثل تلك الأبحاث التي تغصّ بالإخطاء، بأن أنقل النصّ، ثم أرد عليه في ثناياه، إذ لو أردنا أن نتعقب كلّ ما أورده الباحث من خطإ لوصلنا إلى نفس النتيجة، وهي نقل غالب النص. ويجب أن أنبه غلى أن الهوامش هي هوامش كتيبه، وليست من هوامشى.

      أولا: كتاب "حد الإسلام وحقيقة الإيمان" للشيخ عبد المجيد الشاذليّ

      يقول حلمي هاشم:

      "ونحن إن كنا سنناقش ما وقفنا عليه من معاني في كتابات صاحب الحد رأينا أنها تحتاج إلى مراجعة وضبط إلا أن هذا لا يعبر عن رغبة في الانتقاص من قدره أو مكانته (3) بل هي خطوات في السعي إلى الحق والكشف عنه ثم الدعوة إليه والانتصار له ، وهو (أي صاحب الحد) – وحسبما نظن فيه إن شاء الله – أهل لأن يكون أول الملبين لقولة الحق عند ظهورها له وبيان دليلها ، خاصة وقد سبق أن نقلنا أن خطأ العالم ليس كخطأ الجاهل بل هو أعظم.

      ثم نتبع ذلك بمناقشة بعض كتابات تلامذة الأستاذ صاحب الحد بصرف النظر عن شخصياتهم – من حيث حرصهم على عدم ظهورها – ولكن لفداحة ما أوردوه في هذه الكتابات فكان لا بد من التعليق والبيان لإظهار الحق وبيان معالمه التزاما بمبدأ النصرة والدعوة للدين الخالص خاصة وقد سبق أن نقلنا في مقدمة هذا البحث أن غير العالم لا يجوز له أن يتبعه في خطأه ولا يعذر كعذره وأنه ليس له الإقتداء به في الخطأ بل عليه أن يرجع إلى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة ."

      قلنا: الرمي بالبدعة والتشبيه بأهل السبت من اليهود، الذين بدلوا الدين وحرفوه، بل ونسبة الأقوال المكفّرة له، كما في قوله (فكان الانتهاء إلى الأقوال المكفرة هو الترتيب الطبيعي للأقوال المبتدعة)، لا يستقيم مع هذه الدعوى التي يراد بها تغطية الإجحاف والتجنى.

      قال: "وبداية ما نناقشه عنوان فكر صاحب الحد وجامع أمره وعلائم دعوته وهو ما اصطلح هو ومن وافقه على ذلك من تسميته لأصل الدين وتوحيد رب العالمين ودعوة جميع الأنبياء والمرسلين ودين الله القويم وملة إبراهيم (الإسلام) . والذي قال وعز من قائل عنه

      (إِنَّ الْدِّيْنَ عِنْدَ الله الِإسْلاَمْ)(1) ، وقال : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيْنَاً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)(2)

      ".......والداعي إلى مناقشة هذا المصطلح المستحدث :

      أولاً : أن كثيراً من الناس قد بهرهم هذا المصطلح فهم يرددوه دون تأمل لمدى أصالته وارتباطه بالدليل عن الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك مصداق قول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما قال (كيف بكم إذا لبستم فتنة يربوا فيها الصغير ويهرم عليها الكبير وتتخذ سنة فإن غيرت يوماً : قيل هذا منكر)(5)

      وما بهذا أمرنا ، فقد أمرنا بالإتباع قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تحِبُّونَ الله فاتَّبِعُونِي يحْبِبْكُمْ الله) آل عمران :21 .

      وقال تعالى : (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَاي فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)طه :122. ونهينا عن الابتداع فقد كفينا . قال صلى الله عليه وسلم :

      (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) (1)

      فإن لم نكن كفينا في عقيدة التوحيد وما ينبغي أن يكون عليه المسلم من اعتقاد اسماً وسمتاً ففي أي شئ كفينا إذن !!!

      ثانياً :أن صاحب (حد الإسلام) قد فرض وبتكلف شديد هذا المصطلح على الأدلة الشرعية والأقوال المنقولة عن علمـاء الأمـة على نحو كان يستحق معه النصـح والنهـي ، فإذا هو يعيد إخراج نفس الأمر في مصنف آخر له والمسمى بـ(أصل الدين) .

      فتجد مثلاً وهو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : (وكان نصارى نجران يمارون النبي صلى الله عليه وسلم فبين لهم حد الإسلام وهو الكلمة السواء التي التقت عليها الكتب الثلاثة ولم تختلف فيها وهي (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضناً أرباباً من دون الله) فمن لم يتحقق فيه هذا الحد ولم يستوفه لم يكن مسلماً) أ .هـ(2)

      انظر لهذا القول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فبين لهم حد الإسلام) ثم انظر إذا حذفنا هذه الإضافة الغريبة في التعبير عن الإسلام بكلمة الحد فيكون : (وكان نصارى نجران يمارون النبي صلى الله عليه وسلم فبين لهم الإسلام وهو الكلمة السواء التي التقت عليها الكتب ....) . ثم قلّب فكرك وقلبك في تأمل العبارتين وأيتهما التي ورد بها الأثر في الشرع وأيتهما اشتملت على ما لم ينزّل الله به سلطاناً . ونقل الكثير من كلمات ابن تيميه في هذا الشأن ولا ترى فيها على الإطلاق مصطلح حد الإسلام وإن كان صاحب الحد قد قدم كلمات ابن تيميه بأنه يتكلم عن حد الإسلام كما ترى . فأين هذا المصطلح المحدث من كلمات ابن تيميه رحمه الله ."اهـ

      قلنا: أتعب الرجل نفسه، وأجهد عقله، وأتعب معه قراءه، في تعقب إستخدام الشيخ الشاذليّ لكلمة "حد الإسلام"، دلالة على ما عرّفه به، وما نقله عنه الباحث بأنه (..حد الإسلام وهو الكلمة السواء التي التقت عليها الكتب الثلاثة ولم تختلف فيها وهي (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضناً أرباباً من دون الله) فمن لم يتحقق فيه هذا الحد ولم يستوفه لم يكن مسلما). ولا ندرى ما الجديد أو الغريب أو المحظور الذي ارتكبه الشاذليّ بهذه التسمية، ليشَبّهه بأصحاب السبت من اليهود، الذين بدّلوا الدين، وروّعه بكافة الآيات التي أراد بها الله سبحانه لعن من بدل دين الله؟ ولم لم يعترضُ على تعبير الإيمان المجمل كما اسماه بن تيمية، او أصل الدين كما استخدم بن تيمية وبن القيم وغيرهما، ويقصدون بها كلمة السواء التي وصف بها الله سبحانه ما يصِح به إسلام المرء قبل نزول الشرائع، أو مع إرتكاب المعاصى بعد نزول الشرائع. كما أطلق بن تيمية لفظ الإيمان الواجب والإيمان الكامل على ما اتي فيه المرء بالواجبات فقط، أو بالمستحبات كذلك (كتاب الإيمان 168). بل ولفظى دار الإسلام ودار الكفر ودار البدعة، كلها لم تأت بها سنة، ولا يقال أن الله سبحانه أطلق اسم "دار السلام" على الجنة، فهذا لا يصح إلا في قياس الشبه الباطل، إذ تسمية الله للجنة أمرٌ توقيفيّ لا يُحمل عليه فقه. فما هي الخطيئة والبدعة التى إقترفها الشاذليّ في التفرقة بين مطلق كلمة الإسلام، وبين هذا القدر من الإسلام الذي بيّنه بقول بن القيم؟ وما إستخدام بن تيمية لمصطلح الإيمان الواجب والمستحب والكامل والمجمل يعتبر بدعة في دين الله، وتقسيم الدين إلى أصل وفروع كما قال بن تيمية في الإيمان الأوسط ج7ص647. ؟ هذا مجرد تمحّكٌ وظاهرية أدت إلى ما ستراه من إنجاه تكفيريّ ينشأ من مثل هذه الطريقة في إحداث جدل عقيم.

      يقول: "نعم .. تجد صاحب الحد يفرض هذا المصطلح أيضاً على كلمات ابن القيم رحمه الله فيقول في كتابه (وكذلك يقول ابن القيم في كلمة جامعه مانعة يعرف بها حد الإسلام: (الإسلام هو : توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله ورسوله وإتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل)(2) أ.هـ .

      قلنا: وماذا في أن يُعرّف مصطلحه بما ينطبق عليه من كلام اكابر الأئمّة؟

      يقول: وتعليقنا على هذا النقل يتضمن الآتي :

      الوجه الأول : أن ابن القيم رحمه الله كان يعرف الإسلام وقد قال صريح عبارته (الإسلام هو ... ) ولم يقل أن حد الإسلام هو ... ومع هذا فرض صاحب الحد هذا القول على بن القيم رحمه الله وألصقه بعبارة ابن القيم لتخرج مخرجاً واحداً فيوهم السامع أن ابن القيم رحمه الله قاله أو أيده أو قصده ويعلم الله أن ابن القيم يتبع ولا يبتدع وأنه برئ من هذه الإضافة .

      قلنا، مرة أخرى: يعلم أي مبتدئ في العلم أنّ الإسلام المقصود في كلام بن القيم هو كلمة السواء أو التوحيد، دون فروع الشرائع، وقد أراد الشاذليّ أن يُفرّق بين الإسلام بمعناه العام وبين الإسلام بمعناه الخاص المُحدد في تعريف بن القيم، نظراً لخلط الناس في هذا الأمر، وما يؤدى اليه هذا الخلط من تكفيرٍ وغلوٍ (تماما كما وقع فيه صاحبنا!). ومعلومٌ أن الإسلام إن جاء مفرداّ في كلام الشارع، أو من إستعمله كإستعمال الشارع، شمل الإسلام والإيمان، وإن جاء مقروناً بالإيمان دلّ على الأعمال الظاهرة، ودلّ الإيمان على الأعمال الباطنة كما في الإيمان الأكبر ج7 ص13. ومن هنا أراد الشاذليّ ان يبين أن مقصود بن القيم هو إثبات هذا القدر من الإسلام، لا الإسلام بمعنى الدين الجامع، هذا واضح لا بدعة فيه ولا زيادة على الدين ولا نقصان إلا للمتنطعين في دين الله، الباحثين عما يُمكنهم لإثبات قضية مسبقة تقرّرت بالفعل في العقل.

      الوجه الثاني : أن ابن القيم ذكر هذا التعريف للإسلام خلال سياقه للحديث عن الطبقة السابعة عشر في مصنفه ( طريق الهجرتين ) وهي طبقة الجهَّال ، والمقلدين .

      فكان هذا التعريف الذي ساقه للإسلام في مواجهته هذه الطبقة وحكمها فهذا التعريف يناسبها من حيث نوعية الضلالة التي هم عليها أما غيرها من طوائف الضلال فمعلوم أن تعريف الإسلام لهم يرتبط بما لديهم على وجوب البراءة مما هم عليه من باطل والاعتصام بالحق . ولذا فالقول بأن تعريف ابن القيم للإسلام والذي أورده بطريق الهجرتين في مواجهة طبقة الجهَّال والمقلدين بأن التعريف الجامع المانع هذا القول ليس بالدقيق من صاحب الحد بل أن من أحاديث سيد المرسلين ما هو أدق منها خاصةً في مواجهة أوجه الضلال في عصورنا الحالية ولكل عصر وزمان مثل قوله صلى الله عليه وسلم انه قال :

      (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل) ومن مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي جامع الكلم وصافي البيان .

      قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التعليق على هذا الحديث : (وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله ، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال ، بل ولا معرفة معناها مع لفظها ، بل ولا الإقرار بذلك ، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له ، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله ، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه)(1)

      فشيخ الإسلام يذكر أن حديث الرسول أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله وصاحب الحد يذكر أنه تعريف ابن القيم .

      قلنا: قد ذكر الشاذلي ذلك في كثيرٌ من مواضع كتابه، بل هو من معالم منهجه، كما هو من معالم منهج سيد قطب وبن عبد الوهاب والمودودى وبن تيمية، أنّ مدلول التوحيد هو في قول لا إله إلا الله بمقتضاها في النفي والإثبات، وإعتقادها والإلتزام بها قولاً وعملاً، فلا أدرى ما الجديد في هذا الكلام، إلا مجرد التشويش؟

      قال: "الوجه الثالث : أن صاحب الحد لما اعتمد تعريف ابن القيم السابق للإسلام ولم يقيده بالطائفة التي قصدها ابن القيم بهذا التعريف خرج كثير ممن حملوا هذا القول عن إمامهم ومقدمهم بتصورات ممسوخة عن عقيدة المسلم أفظعها على الإطلاق قولهم أن الولاء والبراء أو الموالاة والمعاداة ليست من أصل الدين حيث أصل الدين – في زعمهم – هو ما قاله ابن القيم في تعريفه الجامع المانع لحد الإسلام :

      (هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله وبرسوله وإتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم)

      فقال من اعتقد منهم بدعة الحد (فهذا التعريف الجامع المانع لم يشر من قريب أو بعيد إلى الموالاة والمعاداة فهي إذن ليست من أصل الدين وبالتالي فإن تكفير المشركين والبراءة منهم ليست من أصل هذا الدين .... ) ."اهـ

      قلنا: هذا عجيبٌ من صاحبنا، أن ينسب هذا التوجّه للشاذليّ، وأقسم بالله أنني سمعت منه مباشرة دون وساطة، مراتٍ عديدة، أنّ الولاء والبراء هو من أصل الدين، إما ركناً أو شرطاً. وإن قال احد من ينتسبون له بغير ذلك، فقد حدث أشنع من ذلك أن خرج من تحت عباءة القرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كافة الفرق البدِعية والكفرية، فما هذا بذنب أحدٍ إلا من قال به.

      قال: "وذلك من الآثار السّلبية المتوقعة لكل من خرج عن الإتباع إلى الابتداع حيث بدأت ببدعة الحد وانتهت بالقول بأن تكفير المشركين ليس من أصل دين الإسلام بالمخالفة والمعاندة لملة جميع الأنبياء ولعقيدة الموحدين في كل زمان ومكان وبالمشاقة لصريح القرآن الكريم فكان الانتهاء إلى الأقوال المكفرة هو الترتيب الطبيعي للأقوال المبتدعة".

      قلنا: هذه سلسلة من اللوازم التي لم يثبت أولها، فلا صحة لآخرها، ومن العيب على هذا الرجل أن ينسب إلى الشاذليّ أنه لا يكفر المشركين، وأنه يقول أقوالاً كفرية! هذا من الشنآن غير المدعوم ببرهان. أعاذنا الله من الخيبة.

      يقول: "فصل:  ثم .. تجد صاحب الحد بعد أن ينقلك في التعبير عن التوحيد أو الإسلام إلى مصطلح حد الإسلام يقول لك :

      (المقصود بالحد هنا المعنى الاصطلاحي ... وليس المقصود به التعريف المنطقي .. )(1)

      فالنقلة الأولى في التعبير اللفظي (من الإسلام إلى حد الإسلام) ، ثم النقلة الثانية في المعنى المقصود هل هو (الحد الاصطلاحي أم الحد المنطقي).؟ ....."

      قلنا: ليس هناك نفلٌ ولا يحزنون، إنما هو توجيه النظر وإثباتٌ لقدر معينٍ من "الإسلام" بمعناه الشامل الذي يغطى التوحيد بمعنى أصل الدين، وفروع الشريعة. فالأمر لا يزيد على مجرد مصطلحٍ يأخذ به من أراد ويدعه من أراد، طالما أن الكلّ متفقٌ على ما يفيده هذا القدر. وقد عنون السلف من قبل للشريعة بفقه العبادات وفقه المعاملات، تفرقة بين ما هو توقيفيّ وما هو قابلٌ للإجتهاد، ولم يقل أحدٌ من علماء السلف أنّ هذا إفتئاتٌ على الدين، بدلاً من إستعمال لفظ الشرع أو الشريعة.

      قال: ثم .. تجد صاحب هذا المصطلح المستحدث يتراجع عن رفع مسماه إلى مستوى أصل الأسماء في مصنفه اللاحق والمسمى بـ(أصل الدين) فيعيد كتابه نفس العبارة بعد أن يحذف كلمة (حد الإسلام) لتكون :

      (فقضية البحث التي يريد إثباتها أو بالأحرى إحيائها هي :

      1- أن أصل الدين وحقيقة التوحيد سواء علينا أسميناه الإيمان أو الإسلام أو التوحيد أو الدين أو إفراد الله بالعبادة فمسماه واحد لا يختلف باختلاف الأسماء وأن هذا الأصل سابق على غيره من التكاليف) أ.هـ(3).

      فنجد التراجع الواضح عن زلة في التعبير والصياغة لا تليق بمسمى التوحيد والإيمان والإسلام .

      وهو تراجع محمود كان له واقع السعادة في نفوسنا لولا أنه كان في هذا القدر فقط ثم عاد فحف صفحات مصنفه (أصل الدين) وفي كل موضع بذات التعبير لعشرات المرات ".

      فما الحامل إذن على هذا التراجع ؟ اللهم إلا اعتبارها لحظة إفاقة عارضة من إغماءه البدعة وعتمة مسلكها ، ثم سرعان ما عاد من جديد لما كان عليه .

      قلنا: لا ندرى والله ما هذا الكلام؟ ولا أية غيبوبة بدعية كان فيها الشيخ الشاذليّ ثم أفاق إفاقة عارضة؟ هذا غثاءٌ مردرد، وإنما يدل إغفاله مرة أو مرات أنه ليس مقصوداً لذاته، بل لبيان معنى محدد، قد يعود فيه الكاتب إلى الألفاظ الواردة في النصوص، أو فيما يدل عليها، وما إستعماله إلا للغبش الذي رنى على المفاهيم والمسمّيات الشرعية في زماننا هذا.

      ثم يواصل الباحث حديثه المكرور، فأجهد نفسه في إثبات معنى كلمة "الحد" في "الشرع"، وعن عدم فهمه لإستعمال هذا التعبير عن معنى التوحيد، إن كره كلمة المصطلح!

      قال: فصل : وصاحب الحد يقول في بيان المقصود – على نهجه – في حد الإسلام : (المقصود بالحد هنا المعنى الاصطلاحي :وهو أقل ما ينطبق به الاسم على مسماه : وليس المقصود به التعريف المنطقي الذي لا يتصور كنه أو ماهية أو حقيقة للمحدود بدونه وهو المعنى الذي عارضه شيخ الإسلام وغيره في مواضع كثيرة ) ا.هـ(1) 

       فهذه هي المعاني التي اصطلح عليها الفقهاء في كلمة (الحد) فمن أين أتى (صاحب الحد ) بهذا التعريف الاصطلاحي المستحدث للحد ومن قاله من أهل العلم فنستأنس به إن افتقد إلى الأدلة الشرعية على ذلك من الكتاب والسنة ؟ وخاصة أن المصطلح المستحدث يأخذ الصدارة في التعبير عن التوحيد وليس على سبيل العارض .

      ثم ما هو مضمون المعنى الاصطلاحي لكلمة الحد كما أوردها صاحب (حد الإسلام) ؟ يقول صاحب الحد أن المقصود به (المعنى الاصطلاحي). (وهو أقل ما ينطبق به الاسم على مسماه)(2) وهو تعريف يفتقر إلى كثير من الضبط ويحمل الكثير من الخفاء مما يفتح أبواب كثيرة لتأويلات وأفهام مختلفة يستطيع المعارض دفعها ، والمؤيد إثباتها .

      فهو تعريف لا يساعد إلا على الاضطراب وهو أشبه بمن يسوق تعريفاً يحمله جميع الأطراف المتنازعة على هواه بما يؤدي في النهاية إلى إرضاء جميع الأطراف . لذا فهو تعريف سياسي أكثر منه اصطلاحي أو شرعي – على ما يبدو – وعلى أية حال فإن هذا التعريف للحد وكما سبق أن بينا مرفوض شرعاً واصطلاحاً ثم هو بعد ذلك يعد تحريفاً وليس تعريفاً لحقيقة الإسلام" اهـ .

      قلنا: أولاً، هذا التعريف، وأي تعبيرٍ يمكن أن يولد إختلاف وتحريف وإضطراب، وأمامنا كيف إستعمل أهل الأهواء المفاهيم والمصطلحات  في إثبات ما لم ينزل الله به من سلطان، وكذلك تعريف الإسلام والإيمان لمن أراد التحريف، فقوم قالوا أن الإسلام يتضمن المعرفة فقط، وقوم قالوا بل ويشمل التصديق، وقوم قالوا يشمل كلّ الأعمال، واجبها ومستحبها. ولا أدرى ما يعنى بقوله "تعريفٌ سياسيّ"؟ هذا بذاته أصطلاحٌ لا نعرف له معنى! ثم إن كلُّ واحد يعلم المقصود من كلمة الحدّ فصارا مصطلحاً بين الناس، ولعل الشيخ الشاذليّ كان اولى أن يقول إنه إستخدم المعنى الإستعماليّ لا الإصطلاحيّ، إذ كلُّ الناس يفهم من كلمة "الحد" أنها أقل ما ينطبق من الإسم على مسماه"، لا يخالف في ذلك أحدٌ إستعمالاً.

      ثم ينتقل الباحث إلى فصل جديد، في أنواع الدور، فيناقش على وجه الخصوص، دار الردة عن الشرائع.

      قال: "ونحن نناقش معه ستة نقاط أساسية في كلماته هذه :

      الأولى : القول بان الناس في هذه الديار ملتبس عليهم .

      الثانية : إدعاء أن الكفر في هذه الديار باطن .

      الثالثة : القول أن هذه الديار صورة دار كفر وحكم دار الإسلام .

      الرابعة : الحديث عن حكم ما سماه بمجهول الحال .

      الخامسة : موضوع الإسلام الحكمي والإسلام الحدي .

      السادسة : اعتباره كفر دار الردة عن الشرائع من قبيل كفر التأويل وادعاء انتسابهم للأمة" .

      أما عن الغايات التي يراها شرعية لهذه النتائج والأحكام من إبقاء على الستر وانتظاراً للفئ وطلباً للمؤالفة وحتى يبقى للأمة كيان فهي نظرة اجتماعية لا اعتبار لها إلا في ظل الالتزام بالأحكام الشرعية الأساسية والغاية لا تبرر الوسيلة في أحكام هذه الشريعة الغرّاء أما أن يستند إلى الغاية في تبديل الأحكام وتلفيقها فهذا ما لا يقبله الشرع الحنيف ولا يقره ولذا فإن حديثنا سيكون عن النقاط الست فحسب والله ولي التوفيق"اهـ.

      قلنا، ولا ندرى ما معنى إنها نظرة إجتماعية؟ هذه الغايات أغراضٌ من أغراض الشريعة ومقاصدها، وهذه الظاهرية التي يتبناها الكاتب تبين مصدره ومورده، بل يجعل حتى مراجعته غير ذي فائدة، إلا لبيان خلطه وإتجاهه التكفيريّ البحت.

      قال: "القول بأن دار الردة عن الشرائع الناس فيها ملتبس عليهم أنفسهم بمعنى أنهم لا يعلمون أن واقعهم واقع ردة .

      فهذا الكـلام إذا عرضناه عـلى صريح النصوص لوجـدنا أنه قد جانبه الصواب ، وإن لم يكن في هذا إلا قوله تعالى :

      (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) الأعراف : 30 . وقوله :(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) لكفانا في بيان حكم الشرع فيمن التبس عليه الكفر من الإيمان ، فإذا وأضفنا إلى ذلك بيان أهل العلم لأصناف الناس أنهم أقسام ثلاثة : راشد – غاوي – وضال .

      (الراشد هو من عرف الحق واتبعه . والغاوي هو من عرف الحق ولم يتبعه . والضّال هو من لم يعرف الحق بالكلية)(1) .

      بل المشهور في تفسير سورة الفاتحة في بيان المغضوب عليهم والضالين أن المغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى وأن المغضوب عليهم علموا الحق وتركوه والضالين عبدوا الله بغير علم أي بجهل .

      فهذا من ضل عن التوحيد دين جميع الأنبياء والمرسلين والذي يدعوا إليه كتاب رب العالمين ولم يفرق بين الحق والباطل فيه .

      أين حالة الالتباس هذه من قوله صلى الله عليه وسلم :(تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) .وقد حف القرآن الكريم بيان الكثير من الصور والتي يكفر بها المرء وإن لم يشعر بكفره * كقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا لـه بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) الحجرات :2 .وكقوله تعالى :( ومن يتولهم منكم فهو منهم ) المائدة : 51 .

      وفي ذلك يقول السلف (فليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر) .وكقوله تعالى :(لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة :66  

      وأما عن الاستناد في ذلك إلى قول ابن تيميه رحمه الله بأن (عامتهم جهمية ورؤسائهم ملاحدة) فهو كلام يقيناً في غير موضعه وقد كان أولى به أن يضعه عن حكم دور أهل الأهواء حيث الجهمية المعلوم يقيناً أنهم من أهل الفرق المبتدعة والذين كان موقف العلماء منهم متباين فمنهم من كفرهم عالمهم وعوامهم ، ومنهم من كفر أئمتهم دون عوامهم ، ومنهم من توقف عن تكفيرهم مثل ما ذكر البغوي رحمه الله عن الخطابي حيث قال : (وكان الخطابي لا يكفر أهل الأهواء الذين تؤولوا فأخطئوا) (1)

      فالحديث عن دور الردة عن الشرائع شئ والاستدلال بكلمات أهل العلم كابن تيميه وغيره عن أهل الأهواء شيئاً آخر كان يمكن قبوله فقط عند الحديث عن دور أهل الأهواء"اهـ .

      قلنا، هذا إستشهادٌ بعمومات الشريعة دون النظر في مدلولاتها، وهو منهج أهل الأهواء مخلوطاً بمنهج الظاهرية في النظر إلى النصوص، دون الجمع بينها، وأصحاب التكفير، كما عرفناهم وجادلناهم في السبعينيات. وهو ما يبين لِمَ إختار هذا النظر في أنواع الناس، فهذا التقسيم يصلح في خطبة بيانية لا في بحثٍ اصوليّ، فنحن نتحدث عن أنواع الناس من حيث هم بين مسلم، وكافر ومنافق، والمسلم أما مطيع أو عاصٍ، والعاصى إما فاسق أو مبتدع، والمبتدع إما ببدع صغيرة أو كبيرة أو مكفّرة. من هنا فإن هذا التمييز العام المحصور الذي يقدمه الرجل لا يخدم إلا العبث في الحكم وتنزيل الناس في غير ما أنزلهم الله. ودار الردة عن الشرائع، هي أقرب لحكم ماردين، إذ من بدّل الشريعة هم طبقة الحكام سواء المدنيين منهم أو العسكريين، ولم تتبدل الشرائع بثورة شعبيةٍ طالبت به، ومع تراكم الباطل عقوداً طُمست بعض مَعالمه، بفعل مكر الليل والنهار من عصبة الشيطان. هذه هي القراءة الصحيحة للواقع، لا ما خلط فيه هذا صاحبنا. وهو ما يجعل نتيجة الشيخ الشاذليّ في غاية الدقة حيث قال بأن دار الردة عن الشرائع الناس فيها مُلتبس عليهم أنفسهم بمعنى أنهم لا يعلمون أن واقعهم واقع رِدة.                                                    

       يقول: "أما عن قول صاحب الحد عن دار الردة عن الشرائع (أن الكفر فيها باطن) فهو قول ظاهر التناقض .

      أولاً : مع الواقع المعاصر لهذا النوع من المجتمعات .

      ثانياً : لما كان عليه السلف وأئمة المسلمين في هذا الشأن .

      فأما من ناحية الواقع المعاصر لهذا النوع من المجتمعات والتي يمكن أن توصف بأنها دار ردة عن الشرائع والتي يتم فيها استبدال شرع الله ومناهجه بشرائع صليبية وشيوعية ويتم من خلالها استحلال ما حرم الله وانتهاك محارم الله واستبدال منهاج الله بمناهج شتى تارة شيوعية وتارة اشتراكية وتارة ديمقراطية حيث يكون الشعب هو مصدر السلطات وحكم الشعب بالشعب ولا وجود أو ذكر لسلطان الله تبارك وتعالى بل يتهم من يطالب بتحقيق سلطان الله في الأرض بالرجعية والتخلف والجمود ثم يزاد في ذلك لاتهامه بالإرهاب لينفر من هذا المطلب القاصي والداني بالسليقة ودون حاجة إلى تدريس تفاصيل الموقف لأمة أعرضت عن دينها ورسولها وكتابها بل استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير استبدلت شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة نابليون ومنهاج ماركس ولينين ومن هم على شاكلتهم.

       إن القول عن دار الردة عن الشرائع (أن الكفر فيها باطن) وحيث يستحل فيها ما حرم الله وتنتهك حرمات الله جهاراً نهاراً على نحو ما كان عليه قوم نوح وقوم لوط وقوم شعيب وقوم فرعون ، لقول صادر عن :

      إما ممن هو معزول عن هذا الواقع المعاصر فلا يخالطه (1) في كثير ولا قليل ، حيث لحظات قليلة تكفي للوقوف على حقيقة هذه المجتمعات بمجرد السير في بعض طرقاتها وسماع كلمات أهلها وما هم عليه من إعراض ولهو وكفر وجحود وجهل وكما قال الله تعالى عنهم وعن أمثالهم .

       وأما .. مناقضة هذا القول – أن الكفر باطن في هذه المجتمعات (أي في دور الردة عن الشرائع) – لما كان عليه أهل العلم والإيمان من السلف الصالح فإنه يتضح إذا علمنا أن أهل العلم متفقون على أن دور الردة أشد من دور الكفر الأصلي من وجوه متعددة وأن من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر بل إن هذا من أشهر نواقض الإسلام وكما ذكر ذلك أئمة العلم والهدى(2) وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله :(ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد- صلى الله عليه وسلم – فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب .

      ...ويقول عقب ذلك (فإن المسلم الأصلي إذا ارتد عن بعض شرائعه كان أسوأ حالاً ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع، مثل مانعي الزكاة وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق) .

      فإذا كان هذا هو حال الطائفة الممتنعة عن الشرائع في واقعهم وهذا هو البيان الشرعي في حكمهم وحالهم فكيف يقال بعد هذا أن الكفر في هذه المجتمعات باطن (سبحانك هذا بهتان عظيم)

      والغريب أن يناقض صاحب الحد نفسه لما قال : (وقد ذكر الفقهاء الدلالة التي يعتبر فيها المجتمع منخلعاً عن الإسلام ويتحول إلى دار كفر بعد أن كان دار إسلام ، فأجمعوا على أنها الحكم بغير ما أنزل الله والتحاكم إلى غير شريعته ، وارتفاع لواء شرع غير شرعه تجري على أساسه جميع معاملات هذا المجتمع ، فهذه دلالة قطعيه على رد هذا المجتمع للشريعة جملة وخروجه عن الإسلام كلية ) .

      فانظر – رحمك الله – إلى هذه الدلالة التي أجمع أهل العلم على اعتبار المجتمع بها دار كفر وانظر إلى اعتبار صاحب الحد لهذه الدلالة على أن هذه الدور لا يستقر فيها (لا إيمان ولا كفر) وأنه يرى أن الكفر فيها باطن"اهـ.

       قلنا: كلام كثير ومحصلةٌ لا تغنى من جوع، كعادة هذه الطبقة من الكتاب. إذ من سوّى عامة المُقيمين في دار الردة عن الشرائع بالمُرتد؟ قلنا، لمن كان له عقل، إن حكمَ الدار "دار ردة عن الشرائع" لا يعنى بالضرورة إنسحاب هذا الوصف على من يقيم فيها، وفرق بين حكم الدار وحكم أهلها، وهو ما لم يميزه الرجل فيما كتب، وهو دين أهل التكفير العشوائيّ. ولهذا قال الشاذليّ أن الكفر باطن، فالظاهر من الكثير من الناس هو إرتكاب معاصى ومحرمات، ومحصلة تكرارها يفيد الإصرار لا الكفر. أما ما أورده الشاذليّ من قول الفقهاء في حكم دار الكفر، فهو صحيح في ذاته، لكن الخلاف في تطبيقه على مصر من الأمصار، وهو الوضع الذي حاوله ولا يزال قادة العلمانية في البلاد، ولكن راينا بعد الثورة الأخيرة أن الناس لن يقبلوا أن يُنحى الشرع عن حياتهم، فيما عُرف بموقعة الصناديق! والذي كان استفتاءاً على المادة الثانية، والتي تمثل لدى العاميّ شرع الله وسطوة الدين، بلا غلبة ولا تمحك، وأن كانت لا تلحق في حقيقة الأمر بالمراد في التطبيق. وهو سبب أن قال الشاذليّ أنّ الكفر باطنٌ أي غير معروفٍ مشتهر أنه كفر.

       ثم قوله "أن الأصل في هذه الدور (المرتدة عن الشرائع) صورة دار الكفر وحكم دار الإسلام .

      وبالتالي – كما يراه – وجوب الإستبراء للدين والعرض في هذه المجتمعات ، وهي مقالة غاية في العجب والغرابة والتخليط للأحكام الشرعية على نحو نخشى – والله أعلم- أن يكون هو مسلك من مسالك أصحاب السبت .

      وذلك أن القول بأن أصل هذه الدور صورة دار الكفر وحكم دار إسلام قول لم يسبق إليه أحد من أهل العلم ولذا فنحن نرى أن هذا القول مبتدع كبدعة (حد الإسلام) بل هو أخطر .

      ذلك أن تعارض الأصل مع الظاهر أو الظاهر مع الأصل. هو في الأساس الذي بنى عليه صاحب الحد مقالته هذه قاعدة لها ضوابطها ومجال عملها وهو مجال بعيد تماماً عن موضوع حديثنا عن دار الردة عن الشرائع"اهـ .

       قلنا: لا ندرى والله ما يقول صاحبنا! فأولاً، من الذي جعل حدثاً جديداً على الأرض لا يستدعى إستحداث حكمٍ جديد له؟ ومن الذى زعم أن صور الدور التي تلاها هي الصور الوحيدة التي يمكن أن تقع على وجه الأرض في زمن من الأزمنة؟ مع حرصنا على ما يخرج به مبتدعون كاهل مؤتمر تركيا من أن العالم (فضاء سلام)!! إذ هذا تخريف عامٌ وبدعٌ مركبة. ثم لماذا لم ننعى على بن تيمية ونبدّعه  في حكمه على ماردين أنها دارٌ حكمها مركبٌ من الوصفين، دار الحرب ودار الإسلام؟ وهو اقرب ما يكون إلى ما قاله الشاذليّ، وما نراه شخصياً في هذا الأمر.

       ثم يقول : "فصل رابع: وتصديقاً لما سبق تجد أن صاحب الحد يقول عن مجهول الحال في دار الردة عن الشرائع (يستصحب له أصل الإسلام) .

      وهي قولة أخرى تحمل الكثير من الأخطاء الشرعية وهي حلقة أخرى في سلسلة الأخطاء الشرعية الخطيرة التي انتهى إليها صاحب الحد من جراء الاجتهاد المتجرئ على الأحكام الشرعية في حيز كان ينبغي فيها التجرد والالتزام بالأحكام الصريحة بعيداً عن التصورات الشخصية والمقاييس المادية .

      فتجده يستخدم مصطلح (مجهول الحال) عند مناقشة قضية الحكم على الناس في دور الردة عن الشرائع . وقد أخطأ في هذا من وجوه :

      الأول :أن الله تعالى قد قسم البشرية إلى قسمين لا ثالث لهما فقال عز من قائل :

       (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) . التغابن :2.

      والتعرف على حكمه – مؤمناً أو كافراً – من ثلاثة دلالات عن افتقدت أحداهما وجدت الأخرى بحيث لا يبقى أبداً ما يمكن أن يوصف بأنه مجهول الحال . فنحن نعرف حكمه من : كلماته – أو حاله – أو التبعيه (3)

      فمن تكلم بالإسلام فهو المسلم ومن تكلم بالكفر فهو الكافر .

      ومن كان حاله حال أهل التوحيد فهو مسلم ومن كان حاله حال أهل الشرك فهو المشرك الكافر .

      ومن لم يعلم حاله أو كلماته فحكمه حكم قومه وداره حيث الناس على دين ملوكهم .

      لهذا فإنك لا تكاد تجد مصطلح (مجهول الحال) هذا في حديث أهل العلم عن قضايا التوحيد على كثرة ما دون وصنف في هذا المجال . (1)".

       قلنا: إن الرجل يخلط خلطاً عجيباً، ولا يرى الأمور إلا كما يراها تلميذ لم يبلغ الحُلُم، حيت يختلط عليه مواقف لا يمكنه تتبع تشابكاتها، فلا يرى فيها إلا أبيضا و أسودا! من هنا قال إن الناس مسلم أو كافر ولا ثالث لهما، وهو خطلٌ حتى قبل أدنى تحليل، فأين المنافق إذن، وهو قسمٌ ثبت شرعاً بلا شكٌ ولو قرأ هذا الرجل أوائل سورة البقرة، ما جرأ على ما قال، وإنما هو القصد المسبق للوصول إلى نتيجة محددة، نعوذ بالله من الخذلان. أما عن مجهول الحال، فأولاً قد خَرَج أهل الحديث بمصطلح "مجهول الحال" لمجاراة إحتياج ما استحدثوا من  الإسناد، فلما لا يجوز أن يستعمل أحداً مصطلح في باب من أبواب الفقه أو العقيدة، إن إحتيج اليه في واقعٍ متجدد؟ مرة أخرى، أحادية النظر وعمى الألوان الذي لا يرى إلا أبيض وأسود. ثم، من يمكنه القول بأن كلّ من مرّ به من الناس هو مسلمٌ أو كافرٌ، إلا إن عرف عنه أمر يبيّن من هو، لكن الرجل يريد أن يوهم بأنه إن وصلنا إلى نتيجة أن داراً ما، هي دار ردة عن الشرائع، كان كلّ من سار على أرضها كافر أصالة! وهو نظرٌ خاطئٌ منحرفٌ بدعيٌّ لا يسلم لصاحبه، لا عقلاً ولا شرعاً. فإن الحق الذى لا مراء فيه، أن الشرائع الوَضعية المُختلطة بالشرائع الإسلامية في بلادنا، لم تكن يوماً مقبولة من جمهور الناس، ولا من عوامهم، لم يخالف في ذلك إلا قلة بعينها، صرّحت بالليبرالية أو العلمانية ورفضت حُكم الشريعة عيناً، وهؤلاء لا خلاف في كفرهم عيناً. لكن مالنا نحكم على كافة من أقام في ربوع مصر بالكفر، ولم يكن له يدٌ قي تبديل شريعة، ولا حرية رأي ولا إنتخابٍ حرٍ، بل هو مجبرٌ على قبول نظام الحكم ومَقموعٌ بكل وسائل القمع؟

      أن يكون أمر الإسلام والكفر أمرُ تطبيق أعمى لا يفرق بين أحد، بل يُسْبَغ حكم الكفر عيناً على كل فردٍ لوجوده في بقعة جغرافية معينة كانت دار إسلامٍ اصلاً، ثم أعطيت صفة معنوية، ثم سُحبت هذه الصّفة على كل من فيها، لهو أمرٌ بدعيّ مقزز، يجب أن يُحبس قائله ويُبعد عن الناس حتى يرجع عنه. وجهالة الحال هنا هي ببساطة ودون تفلسفٍ وتعَلقٍ بعُموميات، هي أن مسلماً يمكن أن يقابل رجلاً في الطريق، فلم يعرف حاله، لأنه لا يعرفه، فهو "بالنسبة له" مجهول الحال، ليس كصفة شرعية، ولكن كحال. وقد يكون حاله، من إسلامٌ أو كفرٌ، معروفٌ لغيره، لكن بالنسبة له فالرجل غير معروف. فإذا مثلا قلنا: لابأس، كيف إذا قلنا أن هذا الرجل المسكين، الذي نُجرى عليه أحكام الإسلام والكفر في غفلة منه، هو "غير معروف الحال"، فهكذا لم نثبت له صفة، إذ إن النفي لا تثبت به صفة؟ّ! هل هذا مقبولٌ عند الكاتب؟ ثم انظر إلى أي مستوى في الجدل سحبنا هذا الرجل، وهي طبيعة البدعة أينما كانت.

      ومن غرائب ما قال في أحدِ هوامشه (2)، "أنه يمكن ان الصلاة خلف مستور الحال من المسلمين حيث لا يعلم عنه التبس ببدعة حيث أصناف البدع متعددة ولكن إسلامه ثابت بيقين فهو ليس مجهول الإسلام"! وهو عجيب لأن ثبوت إسلام هذا الإمام "مستور الحال"، فإما ثبت برؤيته في المسجد، يهم بالصلاة، فلو ان صاحبنا رآه خارج المسجد بعد لحظات من صلاته، ولم يدركع في المسجد لكان الرجل كافراً لأنه في دار ردة عن الشرائع! أمر يضحك منه العقلاء، ولا أقول الفقهاء، فهو لا يحتاج لفقه لمعرفة سخفه.

       ثم يستمر صاحب هذا الكتيب، في نفس منهجه، من الإستدلال بعمومات الشريعة، دون جمع بين الأدلة، وإعمال النصوص في محلّها، ولا نحتاج إلى مزيدٍ لبيان ما في عذا التحليل من خذلان.

       كتاب "فتح المنان في بيان حقيقة الإسلام"

      ولننتقل إلى كتابنا الموسوم " فتح المنان في بيان حقيقة الإيمان"، وهو الكتاب الذي أصدرته في عام 1979، ونسبه صاحبنا إلى الشيخ الجليل عبد المجيد الشاذليّ. وهو موجود في موقعنا على رابط  http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-3 ، والذى نشرته تحت اسم "عبد الله محمد بن أحمد القنائي" ، وهو مركبٌ من اسمى حقيقة، وذلك نظراً لملاحقتنا أمنياً أيامها في مصر.  لذا فقد بدّلت قوله  "قال صاحب الحد"، إلى "قال صاحب الكتاب"، وما ذلك إلا إحقاقاً لحق النسبة أولاً، ولكي لا يَحمِل الشيخ الشاذليّ وِزر خطإ أخطأته دون ذنب منه ثانياً. كذلك فقد اعتمدت على أحد الطبعات العديدة التالية للطبعة الأولى، والتي نُشرت في مصر، دون علم منى، على مدى الثلاثين عاماً الماضية، وتم تغيير اسم الكتاب من "فتح المنان في بيان حقيقة الإيمان" إلى "حقيقة الإيمان".

       قال صاحبنا: "حديثنا عن كتاب ( فتح المنان وحقيقة الإيمان) يتناول مسائل أربعة رئيسية :

      الأولى : أن التوحيد هو أصل الدين .

      الثانية : أن الإيمان أصل وشعب .

      الثالثة : مذهب أهل السنة في الإيمان .

      الرابعة : العلاقة بين أهل الإرجاء في القديم وأهل الفرق في الحديث"

       وقد سرد ما أوردناه في النقاط الثلاثة الأولى دون إعتراض، بل تفضل عليّ بالثناء فقال في الفصل الثالث: "(وهو كلام طيب موفق بإذن الله تعالى)

       ثم قال في الرابع:

       "العلاقة بين أهل الإرجاء في القديم وأهل الفرق في الحديث وحقيقة الفرق بينهما .

      وبعد .. أن قام صاحب الكتاب ببيان عقيدة أهل السنة في موضوع الإيمان وأنه قول وعمل ويزيد وينقص ، أجرى مقارنة بين معتقد أهل السنة والجماعة ، وما عليه أهل الإرجاء من ناحية ، وطائفة الخوارج من ناحية أخرى ، وتبين من خلالها أن كل منهما على طرف النقيض من الآخر .

      وثبت من نصوص كل من الطائفتين والنقولات عنهما أن المعركة بينهما تدور حول طائفة عصاة الموحدين .

      فذهبت الخوارج إلى القول بخروج صاحب الكبيرة والمعصية من ملة الإسلام في الوقت الذي انبرت فيه المرجئة للدفاع عن عصاة الموحدين حيث قالوا بأنهم مؤمنين كاملي الإيمان ، وحيث الإيمان حسب أصول مذهبهم هو القولفقط دون الأعمال ، وبالتالي فالإيمان – على مذهبهم – لا يزيد ولا ينقص فانتهوا من خلال ذلك إلى القول بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة .

      إلا أن صاحب الكتاب ، ومن خلال سطور كتابه (فتح المنان وحقيقة الإيمان) والذي نحن بصدد مناقشته . حرص على ربط فكر الإرجاء في القديم بما عليه أهل الفرق في الحديث ، في محاولة غير موفقة في التسوية بينهما وإخراجهما مخرجاً واحداً لينتظمهم حكماً واحداً .

      وقد جانبه التوفيق والصواب في ذلك مجانبة كبيرة تحمل على القول أن صاحب الحد قد وقع فريسة الآفة التي ذكرها في أول حديثه بكتابه وهي الآفة التي عبّر عنها بما نقله عن الإمام ابن تيميه رحمه الله حيث قال :

      (أحدهما : قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها) أ.هـ (1)

      ذلك .. أن صاحب الكتاب قد قدم نصوصاً خاطئة عن المرجئة خلال رحلتهم في الدفاع عن عصاة الموحدين في مواجهة طائفة الخوارج .

      غير أن صاحب الكتاب يصر على إظهارهم وكما لو كان حديثهم يشتمل أيضاً على الدفاع عن طوائف المشركين وليس فقط أصحاب الكبائر والذنوب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

      وقد كان الهدف واضحاً من كلمات صاحب الكتاب – وكما سنبينه بإذن الله – وهو إخراج أهل الفرق في الحديث وإظهارهم وكما لو كانوا من طوائف فرق المرجئة في القديم . والحق أنه شتّان بينهما .

      وقد كان بداية خط الانحراف – وبعد إرهاصات متناثرة في صفحات كتابه  سبقت –عندما قال  :

      (والحق في ذلك أن لفظ الاعتقاد إنما هو بمعنى (ما يجب أن يعقد عليه القلب) ، من معان فخرج بذلك منه كل الأعمال سواء الأعمال التركية – أي ترك أعمال الشرك – كالسجود لصنم والدعاء لغير الله دعاء عبادة ومسألة ، أو الأعمال الفعلية المشترطة لصحة الإسلام على اختلاف فيها ، وصار هو بمعنى قول القلب وعمله ) أ.هـ(2) .

      وصاحب الكتاب هنا يخرج كل الأعمال من مسمى الاعتقاد بما في ذلك ترك الشرك بالرغم من أن أصل الاعتقاد والتصديق للرسالة في اعقاد بطلان الشرك وتكفير أهله والبراءة منهما" اهـ

       أقول وبالله التوفيق: إن صاحبنا لم يفهم عنا، وله العذر في ذلك لأن الأمر في هذه المسألة جدّ دقيق. فالإعتقاد، ليس قريناً لحقيقة الشهادتين كما يلمح صاحبنا، وهو يخلط خلطاً شديداً في هذا الأمر، فقد ذكرنا في النص الذي أورده من كتابنا من أن "لفظ الاعتقاد إنما هو بمعنى (ما يجب أن يعقد عليه القلب)"، وبطبيعة الإصطلاح، والذي يسود لدى العامة بالدلالة الإستعمالية، أن عمل الجوارح لا يدخل في مفهومه. وإنما إنكار الشرك، والعقد على التوحيد، هو من باب أعمال القلوب، ومن